(1) فصل في الصورة والهيولى والأداة
واعلم يا أخي أن الجسم الواحد يسمى تارة هيولى وتارة موضوعا وتارة صورة وتارة مصنوعا وتارة آلة وتارة أداة، وإنما يسمى الجسم هيولى للصورة التي يقبلها، وهي الأشكال والنقوش والأصباغ وما شاكلها، ويسمى موضوعا للصانع الذي يعمل منه وفيه صنعته من الأشكال والنقوش، وإذا قبل ذلك سمي مصنوعا، وإذا استعمله الصانع في صنعته أو في صنعة أخرى يسمى أداة، مثال ذلك قطعة حديد، فإنه يقال لها هيولى لكل صورة تقبلها، ويقال لها أيضا إنها موضوع للحداد الذي يعمل فيها صنعته، وإذا صنع الحداد منه سكينا أو فأسا أو منشارا أو مبردا أو غير ذلك سمي مصنوعا، وإذا استعمل السكين القصاب أو غيره تسمى أداة، وهكذا الفأس وغيرها.
واعلم يا أخي أن موضوعات الصناع البشريين في صناعاتهم نوعان فقط: بسيط ومركب، فالبسيط أربعة أنواع، وهي النار والهواء والماء والأرض، والمركب ثلاثة أنواع، وهي الأجسام المعدنية والأجسام النباتية والأجسام الحيوانية، وهي كلها مصنوعات الطبيعة، كما أن موضوعات الطبيعة كلها مصنوعات نفسانية، وأن الموضوعات النفسانية كلها مصنوعات إلهية.
واعلم أن كل صانع من البشر لا بد له من أداة أو أدوات أو آلة أو آلات، يستعملها في صنعته، والفرق بين الآلة والأداة: أن الآلة هي اليد والأصابع والرجل والرأس والعين، وبالجملة أعضاء الجسد. وأن الأداة ما كانت خارجة من ذات الصانع كفأس النجار ومطرقة الحداد وإبرة الخياط وقلم الكاتب وشفرة الإسكاف وموس المزين، وما شاكل هذه من الأدوات التي يستعملها الصناع في صنائعهم ولا تتم صناعاتهم إلا بها.
واعلم بأن كل صانع له في صنعته أدوات مختلفة الأشكال والهيئات، وهذا أحد أسبابه في اختلاف أفعاله، وهو يظهر بكل واحد منها في صنعته ضروبا من الحركات وفنونا من الأفعال.
مثال ذلك النجار، فإنه بالفأس ينحت وحركته من فوق إلى أسفل وبالمنشار ينشر وحركته من قدام إلى خلف وبالمثقب يثقب وحركته قوسية يمنة ويسرة وحركة مثقبه دورية، وعلى هذا القياس يوجد في كل صنعة لصانعها سبع حركات؛ واحدة دورية وست مستقيمة، وذلك بواجب الحكمة الإلهية؛ لأنه لما كانت حركات الأجرام العلوية الفلكية سبعة أنواع؛ واحدة دورية بالقصد الأول وست عرضية كما بينا في رسالة «السماء والعالم»؛ صارت حركات الأشخاص التي تحت فلك القمر أيضا مماثلة لها؛ لأن تلك علل وهذه معلولات ومن شأن المعلولات أن يوجد فيها علتها وتأثيراتها، ومن أجل هذا قالت الحكماء إن الثواني من الأمور تحكي أوائلها كما يحكي الصبيان في لعبهم صناعة الآباء والأمهات والأستاذين.
واعلم يا أخي بأنه لا بد لكل صانع من البشر من تحريك عضو من أعضائه في صناعته أو عدة أعضاء كاليد والرجل والظهر والكتف والركبة.
وبالجملة: ما من عضو في الجسد إلا وللنفس بذلك العضو فعل أو عدة أفعال خلاف ما يكون بعضو آخر؛ فإن أعضاء الجسد هي آلات للنفس وأدوات لها، وقد بينا طرفا من ذلك في رسالة تركيب الجسد وفي رسالة الحاس والمحسوس، وفي رسالة العقل والمعقول، وفي رسالة الإنسان عالم صغير.
(2) فصل في أن موضوع الصناع نوعان
واعلم يا أخي بأنه لا بد في كل صنعة من موضوع يعمل الصانع منه وفيه صنعته، فالموضوع في صناعة البشريين نوعان: روحاني وجسماني، فالروحاني هو الموضوع في الصناعة العلمية - كما بينا في رسالة المنطق - والجسماني هو الموضوع في الصناعة العملية، وهو نوعان بسيطة ومركبة، فالبسيطة هي النار والهواء والماء والأرض، والمركبة ثلاثة أنواع، وهي الأجسام المعدنية والأجسام النباتية والأجسام الحيوانية.
Unknown page