279

Hamayan Zad

هميان الزاد إلى دار المعاد

Genres

روى أن الله عز وجل يجمع الأولين والآخرين فى صعيد واحد، ثم يقول لكفار الأمم ألم يأتكم نذير، فيقولون ما جاءنا من نذير، فيسأل الله جل جلاله الأنبياء عن ذلك، فيقولون كذبوا قد بلغناهم، فيسألهم البينة وهو أعلم بهم إقامة الحجة، فيقولون أمة محمد تشهد لنا، فيؤتى بأمة محمد، صلى الله عليه وسلم، فيشهدون لهم بأنهم قد بلغوا فتقول لهم الأمم الماضية من أين علموا وإنما أتوا بعدنا؟ فيسأل هذه الأمة فيقولون أرسلت إلينا رسولا، وأنزلت عليه كتابا أخبرتنا فيه بتبليغ الرسل، وأنت صادق فيما أخبرت، ثم يؤتى بمحمد، صلى الله عليه وسلم، فيسأله عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بصدقهم. وروى البخارى هذا بمعناه، ولفظ البخارى عن أبى سعيد الخدرى، قال قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم

" يجاء بنوح وأمته يوم القيامة فيقال له هل بلغت؟ فيقول نعم ربى. فيسأل أمته فيقول هل بلغكم؟ فيقولون ما جاءنا من نذير. فيقول لنوح من يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته. فيجاء بكم فتشهدون "

ثم قرأ رسول الله، صلى الله عليه وسلم { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } ورواه الترمذى وزاد وسطا. قال عدلا وذلك فى نوح، ويقاس عليه غيره، بل يدل على غيره الحديث السابق، وما رواه البخارى وابن ماجه وابن المبارك فى رقائقه وغيرهم أن أمته، صلى الله عليه وسلم، تشهد لكل نبى ناكره قومه، ومن أنكر التبليغ من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم ، قيلت عليه شهادته، صلى الله عليه وسلم. وقيل إن الناس فى الآية جميع الأمم حتى هذه الأمة. كما قال القاضى تشهدون بذلك على معاصريكم، وعلى الذين قبلكم وبعدكم، وظاهر الآية ما قلت وقيل لتكونوا شهداء فى الدين فيما لا يصلح إلا بشهادة العدول، ويجوز أن تكون على بظاهرها من المضرة بمعنى أنه، صلى الله عليه وسلم، يشهد على أمته بأنه بلغها الرسالة، وأنه لم يتبعه من لم يتبعه. قال الشيخ هود ويكون الرسول عليكم شهيدا على أنه قد بلغ رسالة ربه إلى أمته، وعلى ما قلته يكون تقديم قوله عليكم لحصر الصفة على الموصوف حصر إفراد. { وما جعلنا القبلة التى كنت عليها } وهى الكعبة، و { كنت عليها } ثبت عليها الآن وليس إخبار عن ماض منقطع، فذلك كقوله تعالى

كنتم خير أمة

والمعنى التى أنتم عليها، وأنتم خير أمة، ونكتة التعبير بكان الإشارة إلى حدوث ذلك قبل زمان الحال وثبوته قبلة، ولو استمر إليه، وهذا هو الوجه الذى يظهر لى، ثم رأيته والحمد لله قولا مرويا على ابن عباس. وقيل المعنى كنت عليها قبل الهجرة، ثم انقطعت عنها بعدها، وهى الكعبة أيضا كان يصلى إليها قبل الهجرة، لكنه قيل كان يجعلها بينه وبين بيت المقدس، ولما هاجر أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس تألفا لليهود، كما روى عن ابن عباس كان قبلته بمكة بيت المقدس، إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه. وقال قتادة وغيره القبلة بيت المقدس كان يصلى إليها، ثم رجع إلى الكعبة، والقبلة مفعول أول، والتى مفعول ثان، أى وما جعلنا القبلة هى القبلة التى، أو الجهة التى، أو القبلة مفعول ثان، والتى مفعول أول، أى وما جعلنا الجهة التى كنت عليها القبلة، أو القبلة مفعول أول، ولنعلم مفعول ثان، أى إلا ثانية لعلم بناء على جواز الإخبار بمتعلق حرف التعليل، وقد منعه بعض، وقيل تقدير المفعول الثانى إلا فتنة لنعلم فحذف المستثنى، ويجوز تقديره هكذى، وما جعلنا القبلة التى كنت عليها قبلة إلا لنعلم، وإذا لم نجعل التى أحد المفعولين، فهو نعت القبلة، ويجوز أن يكون جعلنا بمعنى أثبتنا كما يستعمل الجعل بمعنى الخلق، فيتعدى لواحد والتى نعت. { إلا لنعلم من يتبع الرسول } فى الصلاة إليها مصدقا له فى جميع ما يأمر به، وما ينهى عنه، والرسول ظاهر فى موضع المضمر، والأصل إلا لنعلم من يتبعك، والله سبحانه وتعالى عالم بكل شئ إجمالا وتفصيلا فى الأزل بلا أول، وإنما قال لنعلم، لأن المراد علم اتباع التبع حال اتباعه، وعلم عدم اتباع من كفر حال تركه الاتباع، فإن العلم بالشئ حال وقوعه نفيا أو إثباتا غير علمه قبل وقوعه، ألا ترى أنك لو قلت علم الله أنه وقع كذا وكذا، ولم يقع كان نفصا وصفته تعالى به مع أنه لا يقع شئ إلا على وفق القضاء والعلم الأزلى، فكأنه قيل إلا ليتعلق علمنا بالمتبع، وهو موجود متبع، وبالتارك، وهو موجود غير متبع، وللمتبع الجزاء على اتباعه وعلى التارك العقاب على تركه، وقيل المراد ليعلم رسوله والمؤمنون من يتبع الرسول، ولهذا القول احتمالان أحدهما أنه أسند علمهم لنفسه لأنهم خاصة، كما يسند الأمير أفعال رعيته لنفسه، يقول بنيت كذا وكذا، وغزوت بلد كذا وكذا، وما بنى وما غزى، ولكن رعيته. والثانى تقدير مضاف، أى ليعلم جندنا أو حزبنا أو خاصتنا أو أهلنا، والمراد بذلك كله النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، ويجوز أن يكون نعلم بمعنى نميز للناس، أو للنبى من يتبع الرسول.

وهو النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، وذلك أن تمييز الشئ وإظهاره من غيره لأحد أو لشئ مسبب عن العلم به، والعلم به سبب له، وهذا كما قال جلا وعلا

ليميز الله الخبيث من الطيب

إلا أنه قدم الطيب هنا، ويدل قبل لهذا قراءة من قرأ إلا ليعلم بالمثناة التحتية والبناء للمفعول، وليست متعينة عندى للدلالة له لجواز أن يراد ليعلم الله بالوجه الأول، وبالقول الثانى باحتماليه، وعلى قراءة نعلم بالنون، وقراءة يعلم بالمثناة التحتية والبناء للمفعول رفق بعباده، إذ أسند علم معائبهم لنفسه، أو أراد لتعلموا بعد جهل فأسند العلم لنفسه رفقا بالمخاطبين. وأما أن يقال إلا لنعلم بمعنى إلا لعلمنا السابق، فلا يجوز، لأن أن تخلص المضارع للاستقبال وعلى كل حال، فالآية تدل على أن أمر القبلة امتحان وفتنة للناس، وأن أصل القبلة الكعبة إذ صرفه الله عنها ليظهر من كفار قريش أنهم لا يتبعونه فى الصلاة إلى بيت المقدس، إذ لم يألفوا إلا الكعبة ولما صلى بالمدينة إلى بيت المقدس قالوا رغب عن قبلة آبائه وآبائنا، وقال الضحاك ليظهر من اليهود أنهم لا يتبعون محمدا، صلى الله عليه وسلم، فى دينه، إذ قالوا لو صلى محمد إلى قبلتنا بيت المقدس لآمنا به، فصرفه الله إلى بيت المقدس ولم يؤمنوا، وقد علم الله أنهم لا يؤمنون، ويجوز أن يراد ليظهر من قريش ما يظهر، ومن اليهود ما يظهر، وليظهر من اليهود والمنافقين ما ظهر، وهو أنهم قالوا لو كان رسولا ما ترك قبلة إبراهيم وكذبوا، إذ قبلة إبراهيم عليه السلام الكعبة، وقالوا ترك بيت المقدس اشتياقا لبلده، وقالوا لو كان نبيا ما تردد فى القبلة، وأكثروا فى ذلك حتى ارتاب بعض المؤمنين فنزلت الآية مبينة أن صرفه إلى بيت المقدس بعد الكعبة، أو صرفه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أو كل ذلك إنما هو للامتحان، وما كان لعارض يزول بزواله، فلما امتحنوا باستقباله بيت المقدس فلم يؤمنوا رجع لأصله وهو الكعبة، والعلم بمعنى المعرفة، فمن موصولة للعموم مفعول للعلم، ولا ينصب مفعولا ثانيا، وهذا على القول الثانى وغيره، لا على الوجه الأول، إذ لا يقال الله عارف، ولا عرف الله كذا، لأن المعرفة الإدراك المسبوق بالجهل، والله منزه عنه، وقيل يجوز إطلاق المعرفة فى حقه، مثل أن تقول يعرف الله كذا، على أنها بمعنى عدم الجهل بلا قيد سبق الجهل فتحد فى صفة الله على العلم الذى لا جهل قبله، وقد قال التفتزانى إنها استعملت صفة الله تعالى فى كلام رسوله، صلى الله عليه وسلم، والصحابة وأهل اللغة، ويجوز أن يكون العلم على أصله وله مفعولان، هما من يتبع الرسول على أن من استفهامية مبتدأ، ويتبع خبر، والجملة سدت مسد مفعولى نعلم معلقا بالاستفهام، أو هما من ومتعلق ممن ينقلب على أن من موصولة، ويتبع صلته أى إلا لنعلم من يتبع الرسول متميزا ممن ينقلب، وإن قلت فعلى وجه الاستفهام والتعليق فيم يتعلق ممن قلت يجوز تعليقه بمحذوف حال من المستتر فى يتبع ولا بيتبع لأنه لا يصح المعنى معه ولا بنعلم لكون ما بعد الاستفهام لا يتعلق بما قبله.

{ ممن ينقلب على عقبيه } يرجع إلى ورائه، والمراد الرجوع إلى الشرك بالزيادة فيه، كحال اليهود والمنافقين ومشركى قريش، لأنه كلما نزل من الله جل جلاله أمر فأنكروه، فإن إنكاره زيادة كفر، والرجوع إلى الشرك بعد الخروج منه، كما روى أن جماعة ممن آمنوا شكوا فى الدين وظنوا أن محمدا فى حيرة من أمره حيث كان يستقبل بيت المقدس، ثم تركه واستقبل الكعبة، أو الرجوع إلى الشرك مطلقا سواء بالزيادة منه أو بالرجوع إليه بعد الخروج منه، واستعار للرجوع إلى الشرك الانقلاب على العقبين، وهما مؤخرا القدمين، استعارة مركبة، فإن أسوأ حالات الراجع الرجوع على العقب. وقرأ ابن أبى إسحاق على عقبيه بإسكان القاف تخفيفا، وكانت العرب لا قبلة أحب إليها من الكعبة، وصلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمكة إلى بيت المقدس مدة إقامته فيها، وصلت الأنصار نحو بيت المقدس عامين قبل قدوم النبى، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة، وصلى بعد قدومه إليه ستة عشر شهرا، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام، فقال قائلون ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها، لقد اشتاق الرجل إلى مولده، فروى أنه لما تحولت القبلة إلى الكعبة ارتد قوم إلى اليهودية، وقالوا رجع محمد إلى دين آبائه. { وإن كانت لكبيرة } إن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، أى وإنه، أو ضمير القصة، أى وإنها، واستحسن هذا حيث كان المسند إليه بعده مؤنثا، ويجوز مرجوحا تقدير اسمها ضمير المؤنث الراجع إليه ضمير كانت، واللام فى لكبيرة فارقة بين إن النافية والمخففة صارفة لها إلى المخففة، وتسمى تلك اللام أيضا فاصلة، وقال الكوفيون إن نافية واللام بمعنى إلا، وضمير كانت عائد إلى القبلة أو إلى الجملة أو الردة أو التحويلة أو التولية المفهومات من قوله عز وجل { وما جعلنا القبلة التى كنت عليها } ومعنى كبيرة شاقة. وقرأ اليزيدى برفع كبيرة على أنه خبر لمحذوف، أى لهى كبيرة، والجملة خبر كانت، وقيل كبيرة بالرفع خبر إن، وكانت زائدة، واعترض بأن كان الزائدة لا تعمل فى شئ، فيجاب بأنها قد عملت فى قوله

وجيران لنا كانوا كرام

Unknown page