280

Hamayan Zad

هميان الزاد إلى دار المعاد

Genres

فكان وضميره زائدان. { إلا على الذين هدى الله } منهم إلى حكمة الأحكام الصادقين فى إتباع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الثابتين على الإيمان والأحكام، ولما تحولت القبلة كان من قول اليهود يا محمد إن كانت الأولى حقا فأنت الآن مبطل، وإن كانت هذه حقا فكنت فى الأولى على ضلال، فوجمت نفوس بعض المؤمنين، وأشفقوا على من مات قبل التحويل من صلاتهم السالفة، فنزل قوله تعالى { وما كان الله ليضيع إيمانكم } قال ابن عباس وغيره، وذكره البخارى ومسلم، وروى أن حيى بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين أخبرونا عن صلاتكم إلى بيت المقدس، إن كانت على هدى فقد تحولتم عنه، وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها من مدة، ومن مات عليها فقد مات على ضلالة.

فقال المسلمون وقد أرشدهم الله تبارك وتعالى إنما الهدى فيما أمرهم الله به، والضلالة فيما نهى الله عنه، فقال حيى وأصحابه فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا، وقد مات قبل أن تحول أبو إمامة أسعد بن زرارة من بنى النجار، والبراء بن معرور من بنى سلمة، وكانا من النقباء، ورجال آخرون، فانطلقت عشائرهم إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله، قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس، فنزل { وما كان الله ليضيع إيمانكم } أى صلاتكم إلى بيت المقدس، بل يجازيكم عليه بالرضوان والجنة، من حيى ومن مات، وسمى الصلاة إيمانا لأنها على مقتضى الإيمان، وصادرة عنه وتزيد فيه، ولأن الإيمان قطب تدور عليه الأعمال والصلاة منه ركن عظيم، فذكرها به إذ كان هو الأصل، قبل ولئلا يندرج فى اسم الصلاة صلاة المنافقين إلى بيت المقدس، فإن الصلاة يأتى بصورتها المنافقون، بخلاف الإيمان الذى هو تصديق بالقلب، فإنه لا يأتى به من أصر على الكفر، والشك فى دين الله، وأيضا الصلاة من شعب الإيمان، وما بين العبد والكفر إلا تركها، وما ذكرت من تفسير الإيمان بالصلاة مذهب بعض أصحابنا وجمهور المفسرين، ورواية ابن القاسم فى العتبية عن مالك، ورواية عن الحسن البصرى، واختاره الشيخ هود رحمه الله ويظهر لى وجه آخر وهو إبقاء الإيمان على معنى التصديق بالقلب، أى ما كان الله ليضيع إيمانكم بالله ورسوله، وما أمر به وما نهى عنه، وذلك شامل للإيمان بالصلاة إلى بيت المقدس أنها حق، أو ما كان الله ليضيع إيمانكم بفرض الصلاة إلى بيت المقدس، أو ما كان الله ليضيع ملازمتكم إيمانكم، ومثل هذه الأوجه ما روى عن الحسن أن المعنى محفوظ إيمانكم عند الله، حيث أقررتم بالصلاة إلى بيت المقدس، ويحتمل هذا المروى عنه الرواية الأولى عنه، ووجه آخر أن يكون المراد ما كان الله ليضيع إيمانكم الذى اختار لكم بترك تحويلكم إلى الكعبة، فإن تحويلكم حكمة تناسب دين الإسلام، فلو ترككم بلا تحويل لكان مفسدة وتضييعا للإيمان الذى اختار لكم، فكان ترك عدم التحويل عدم تضييع له فافهمه، فإنه سهل بإذن الله، وقرئ وما كان الله ليضيع إيمانكم بفتح الضاد وكسر الياء مشددة.

{ إن الله بالناس لرءوف رحيم } بالناس متعلق برءوف وبرحيم ويقدر للآخر مثله بالإظهار أو بالإضمار، لا على التنازع فى المقدم على الصحيح، والأولى تعليقه برءوف، واللام فى خبر إن لا نمنع من تقدم معمول مدخولها، أو معمول ما فى حيز مدخولها عليها، إذا كان ظرفا أو مجرورا كما هنا، والمعنى إن الله لرءوف بالناس المؤمنين، رحيم بهم، فلا يضيع أجور إيمانهم وأعمالهم، ولا يترك صلاحهم، والرأفة أشد الرحمة، فهى أبلغ من الرحمة وأخص، فالرحمة أعم فإنما لم تقدم الرحمة مع أنها أعم، مراعاة للفاصلة، لأنها مختومة بالميم قبلها حرف المد فى قوله مستقيم، وبالنون الشبيهة بالميم قبلها حرف المد بعد ذلك، وقيل ذلك، ولا تقابل الواو أو الياء بالألف، ومقابلة الميم بالميم أولى من مقابلتها بالنون، فالأولى جعل لفظ رحيم مقابلا لمستقيم لا لما بعده، وقيل الرأفة والرحمة مترادفان على معنى الإنعام فى حق الله تعالى، وقيل الرأفة إزالة المضرة، والرحمة الإنعام، فهما معنيان متغايران لا ترادف بينهما ولا خصوص ولا عموم، ورءوف فى جميع القرآن بهمزة ممدودة بالواو عند نافع وابن كثير. وابن عامر وحفص، وقرأ الباقون فى جميعه بلا واو. والله أعلم. وروى أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يحب أن يأمره الله سبحانه وتعالى بالتوجه إلى الكعبة فى الصلاة، لأن اليهود قالوا يخالفنا محمد فى ديننا ويتبع قبلتنا، وقالوا كما روى عن مجاهد ما علم محمد دينه حتى اتبعنا فقال صلى الله عليه وسلم لجبريل

" وددت لو حولنى الله إلى الكعبة فإنها قبلة أبى إبراهيم، إلى متى نصلى إلى قبلة اليهود وددت أن الله صرفنى عن قبلة اليهود إلى غيرها " ، فقال جبريل عليه السلام " إنما أنا عبد مثلك، وأنت كريم على ربك، فاسأل أنت ربك فإنك عند الله بمكان ". ثم عرج جبريل وجعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يديم النظر إلى السماء رجاء أن ينزل جبريل بما يحب من أمر القبلة "

فأنزل الله تبارك وتعالى { قد نرى تقلب وجهك... }

[2.144]

{ قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام... } إلخ وقيل كان يقول ذلك لجبريل، وإذا قام إلى الصلاة رفع طرفه نحو السماء ينظر الأمر من عند الله، فنزلت الأية، وهذه الآية متأخرة فى التلاوة متقدمة فى النزول، لأنها أول ما نسخ الاستقبال إلى بيت المقدس، وقيل كان صلى الله عليه وسلم يحب التوجه إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم، وأقدم من بيت المقدس، وأدعى للعرب إلى الإيمان، إذ لا قبلة أحب إليهم منها، ولا يستقبلون سواها إلا من تنصر منهم، وليخالف اليهود الأراجس القائلين ما بال محمد يخالف ديننا ويستقبل قبلتنا؟ ووقع فى قلبه أن سيحوله الله الرءوف الرحيم إلى الكعبة لتلك العلل، وكان يردد وجهه فى جهة السماء طمعا فى الوحى بذلك واشتياقا، فنزل قوله عز وعلا { قد نرى تقلب وجهك فى السماء.. } الآية وذلك منه أدب كامل حيث اقتصر على الانتظار، ولم يسأل، وقيل سبب نزول الآية أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون بمكة إلى الكعبة، فلما هاجر إلى المدينة أحب أن يستقبل بيت المقدس يتآلف بذلك اليهود، وقيل إن الله تعالى أمره بذلك ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إياه إذا صلى إلى قبلتهم، مع ما يجدون من وصفه فى التوراة، فصلى إلى بيت المقدس بعد الهجرة ستة عشر شهرا، وقيل سبعة عشر شهرا، وكان يحب أن يتوجه إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. قاله ابن عباس. وقال الربيع والسدى أحب التوجه إليها ليؤلف العرب لمحبتهم للكعبة، والأولى جمع ذلك كله كما مر، ومعنى تقلب الوجه فى السماء تقلب بصره فى جهة السماء أو إلى جهة السماء، والوجه يتقلب إلى الشئ يتقلب البصر إليه، والتقلب التصرف والتردد، ووجهة تقلب وجهه فى السماء أن السماء قد تعود الناس منها الرحمة كالمطر والنور والوحى، فهم يجعلون رغبتهم ونظرهم حيث تأتى النعم. وعن قتادة وغيره كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقلب وجهه فى الدعاء إلى السماء أن يحوله إلى قبلة مكة، وقد للتحقيق، ويجوز أن تكون للتكثير، ومعناه تكثير الرؤية لتكثير التقلب، والمراد تكثير التقلب إلى السماء، ولكن عبر بتكثير الرؤية لأنها لازم التقلب، وقد حمل سيبويه على التكثير قول الهذلى

قد أترك القرن مصفرا أنامله

وحمل عليه جماعة قول الشاعر

قد أشهد الغارة الشعواء تحملنى جرداء معروقة اللحيين سرحوب

Unknown page