بنصب الظهر على التمييز، مدح النعمان بأنهم يبقون بعده فى عيش لا خير فيه وذناب الشئ عقبه، والجمل الأجب الظهر هو الذى قل لحم ظهره حتى كان لا سنام له، والسنام الذروة شبه العيش الضعيف بذلك، والأوضح إذا صبر إلى هذا التأويل أن يذكر بدله أن النصب على التشبيه بالمفعول به فى قوله سفه نفسه ونحوه، كالبيت يجوز كون أل فيه زائدة، وقيل النصب على نزع الخافض، أى سفه نفسه أو فى نفسه، والملة الشريعة والطريقة، والسفة الخفة وعدم الرشد فى العقل والقول، والمستثنى بدل بعض من الضمير فى يرغب، أو نصب على الاستثناء، والبدل أولى لتقدم النفى بمن، كأنه قيل لا يرغب أحد عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه، وسبب نزول الآية أن عبد الله بن سلام دعا ابنى أخيه إلى الإسلام مهاجرا وسلمة، وقال لهما قد علمت أن الله تعالى قال فى التوراة إنى باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد، فمن آمن به فقد اهتدى، ومن لم يؤمن به فهو ملعون. فأسلم سلمة وأبى مهاجر، فنزلت. وفيها تعريض لليهود والنصارى ومشركى العرب، لأن اليهود والنصارى يفتخرون بالنسبة إلى إبراهيم، لأنهم من ولد إسرائيل، والعرب يفتخرون به لأنهم من ولد ابنه إسماعيل، فأخبر الله أن من رغب عن ملة محمد فقد رغب عن ملة إبراهيم، لأنها واحدة فقد كذب فى افتخاره. وقرأ هاشم أبراهام بالألف فى جميع هذه الصورة، وفى السناء ثلاثة أحرف وهى الأخيرة، وفى الأنعام الحرف الأخير، وفى التوبة الحرفين الأخيرين، وفى إبراهيم حرفا وفى النحل حرفين وفى مريم ثلاثة أحرف، وفى العنكبوت الحرف الأخير، وفى حمعسق حرفا.
وفى الذاريات حرفا، وفى النجم حرفا وفى الحديد حرفا، وفى الممتحنة الحرف الأول، فذلك ثلاث وثلاثون حرفا ذكرها أبو عمرو الدانى. قال وقرأت لابن ذكوان فى البقرة خاصة بالوجهين، والباقون بالياء فى الجميع، والذى فى البقرة ستة عشر، وقرر كون اتباع إبراهيم حقا ومخالفته سفها بقوله { ولقد اصطفيناه فى الدنيا } اخترناه فهيا بالرسالة والخلة. { وإنه فى الآخرة لمن الصالحين } أى ثابت أو معدود من الصالحين الذين لهم الدرجات العلى، وهم الأنبياء والفائزون، ويجوز أن تكون من بمعنى فى وللمصاحبة، وذلك يوم القيامة، فيكون قد ذكر ماله فى الدنيا وما له فى الآخرة، ويجوز أن يكون المعنى، وأنه فى عمل الآخرة محذوف المضاف، وتعلق فى على الوجهين بمحذوف حال من اسم إن، أو بالمحذوف الذى تعلق به من الصالحين شذوذا من وجه واحد، وهو تقديم معمول ما بعد لام الابتداء عليها، وهذا إن قلنا إن اللام فى خبر إن لام الابتداء تأخرت، وإن تعلق بمجموع قوله { من الصالحين } ، لقيامه مقام الخبر، فالشذوذ من هذا الوجه، ومن وجه آخر هو تقديم معمول ما ليس فيه حروف الفعل، وهو قوله { من الصالحين } ، فإنه قائم قمام ثابت وليس فيه حروف.
[2.131]
{ إذ قال له ربه } إذ ظرف متعلق باصطفيناه لكن على معنى قولك أظهر لنا أو للملائكة أو للكل اصطفاه، وإنما قلت هذا لأن كونه رسولا خليلا صفيا أزليا، ويجوز أن تكون حرف تعليل معللة للاصطفاء بناء على جواز كونها للتعليل، والمانع يقول إنها ظرف والتعليل مستفاد من المقام والسياق، وهذا معنى قول القاضى ظرف لاصطفيناه، وتعليل له فلا حاجة إلى ما قيل من أن الواو فى قوله وتعليل له بمعنى أو. قال ابن هشام وهل إذ التعليلية حرف بمنزلة لام العلة؟ وهذا لا يقول به الجمهور، أو ظرف، والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ، وهذا قول الجمهور، ويجوز أن تكون مفعولا لا ذكر محذوفا أو ظرفا لمعموله، أى اذكر إذ قال له ربه، أو اذكر الواقع إذ قال له ربه، لتعلم سبب اصطفائه، والحكم بصلاحه وإمامته، وهو المبادرة للإسلام المذكور فى قوله تعالى { أسلم } كما حكى الله مبادرته بقوله { قال أسلمت لرب العالمين } ، ومن كان بهذه الصفة لا يرغب عن ملته عاقل، فهذا من تتمة قوله عز وجل
ومن يرغب عن ملة إبراهيم
ولذا لم يعطف بالواو، ويجوز تعليقه، يقال من قوله { أسلمت } لكن هذا وجه مرجوح، إذ لو كان كذلك لكان بالواو، لأنه حينئذ من طريق قوله تعالى
وإذا ابتلى إبراهيم ربه
واختلفوا فى الوقت الذى قال له ربه فيه أسلم، فقيل هو وقت طفولته، واستدلاله بالكواكب والشمس والقمر، واطلاعه على أمارات الحدوث حين خرج من الغار أو بعده، وهذا قول الجمهور وابن عباس، وقيل بعد النبوة، وعلى كلا القولين ليس مشركا قبل ذلك، فإن كان كل مولود يولد على الفطرة، فكيف برسول خليل؟ قال الحسن ذلك حين أفلت الشمس فقال
يا قوم إنى برئ مما تشركون
وإذ علقنا إذ باصطفيناه أو جعلناها تعليلا له فقوله ربه على طريق الالتفات من التكلم للغيبة. { أسلم } أدم على الإسلام أو استزد من جزئيات الإسلام، فإن الإسلام ولو قلنا إنه كلى لكن له أمداد يمد بها كما وصفه الله تعالى بالزيادة، ويجوز أن يكون المعنى اعمل الأعمال الصالحات بالجوارح، فإن السابق فى قلبه الإيمان ثم يكلفه الله بتكاليف تعمل بالجوارح، فأمره الله بالعمل بها، ولو قيل إن النطق بالإيمان عمل جارحة داخل فى ذلك لكان صحيحا، ويجوز أن يكون الإسلام بمعنى الإيمان وهو مؤمن قبل ذلك، لكن على أن معنى قوله { قال له ربه أسلم } أحضر له ربه فى قلبه دلائل الإيمان، أو بمعنى الأعمال بالجوارح كذلك سواء، لكن على أن معنى قوله ربه أسلم أحضر له ربه فى قلبه دلائل وجواب الأعمال بالجارحة، وأسلم على ذلك كله لازم غير متعد، ويجوز أن يكون متعديا فحذف المفعول، أى أسلم دينك أو عبادتك لله، أى صيرها سالمة من المفسدات، أو أسلم نفسك أى أخلصها لله، وفوض أمرك إليه، وقد قال له جبريل حين دفع إلى نار النمرود ألك حاجة؟ فقال أما إليك فلا، ولكن إلى الله. { قال أسلمت لرب العالمين } أى قبلت الأمر بالدوام على الإسلام، وخضعت له أو قبلت الأمر بالأعمال الجوارح، وأذ عنت به أو قبلت ما خطرت لى فى قلبى، وأذعنت فيه لك أو أخلصت دينى أو عبادتى أو نفسى لك.
Unknown page