...وقال القرطبي في (شرح مسلم) في الرد على من زعم أن من رآه صلى الله عليه وسلم في النوم فقد رآه حقيقة كما في اليقظة ما لفظه: هذا القول يدرك فساده تأويل العقول فإنه يلزم عليه أن لا يره رائيان في وقت واحد في مكانين وأن يجيء الآن ويخرج من قبره ويمشي كحالته التي كان عليها عنه فيرد ويسلم عليه وهو غايب وهذه جهالات لا ينوء بالتزام شيء منها من له أدنى مسكة. انتهى.
... وهذه المسألة قد حققناها في كتابنا الموسوم ب (نصيحة اللبيب في مرأى الحبيب) صلى الله عليه وسلم وأما تفضيل كونه صلى الله عليه وسلم في الجنة على كونه في قبره فقد يجاب عنه أنه إذا كان قبر آحاد المؤمنين روضة من رياض الجنة فما ذاك بقبر سيد المرسلين وأفضلهم فقبره بلا شك أفضل رياض الجنة وقد يكون له فيه من النفوذ ما لا يحجبه معه السماء والأرض بل يجاوزهما إلى أعلا السموات فما فوقها من الجنان لأن أحوال الآخرة لا تقاس على الدنيا ولما نقله صلى الله عليه وسلم من أحوال الأنبياء ليلة الإسراء فيكون اتساعه له صلى الله عليه وسلم كالاتساع لو كان في الجنة وأما ما ذكره من التوفيق بين صلاة موسى صلوات الله وسلامه عليه في قبره مع رؤيته صلى الله عليه وسلم له ولغيره من الأنبياء ليلة المعراج بالسموات فقد يعكس فيقال أنهم صلوات الله وسلامه عليهم مع كونهم في قبورهم قد ينتقلون إلى غيرها كالسموات لما أعطوه من قوة النفوذ في العالم وذلك في بعض الأحيان أو يقال: المراد أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في قبورهم في مروره صلى الله عليه وسلم بالسموات على الترتيب الذي ذكره.
... وقد صرح بذلك العلامة ابن أبي حمزة فقال في (بهجته): رؤيته يعني النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الأنبياء، يعني ليلة الإسراء احتمل وجوها:
صفحة ١٢٦