وقد سلمت لهم القطع بحياة وذلك كاف في إثباتها مع ما انضم إليه من أخباره صلى الله عليه وسلم بما يقتضي أنها حياة مع الأحياء كما تقدم وقد تحققنا وضع أجسادهم في قبورهم والأصل بقاؤها فلا يعتقد خلاف ذلك إلا بقاطع وما ذكره ليس بقاطع مع أنه معارض بالحديث المتقدم الأنبياء أحياء في قبورهم بعد أربعين ليلة على الهيئة التي دفنوا عليها من الموت وترك العمل ونحوه بل يحيون ويعبدون الله ويدل عليه قوله: لكنهم يصلون بين يدي الله والمصلين في قبره بين يدي الله وكذا يقال في حديث أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث إن صح أي على تلك الحالة واختص صلى الله عليه وسلم بذلك من بين الأنبياء لمزيد شرفه وفضله عليهم وهو هكذا ظهر لي في الجواب عن ذلك ثم رأيت السبكي ذكر في كتابه (شفاء السقام) أن عبد الرازق روى عن سعيد بن المسيب أنه رأى قوما يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما مكث نبي في الأرض أكثر من أربعين يوما ثم روي عبد الرازق حديث مررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم يصلي في قبره.
قال السبكي وكأنه قصد بذلك رد ما روى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه لما حصر أشار بعض الصحابة عليه أن يلحق بالشام فقال: لن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وهو مخالف لما نقل عن ابن عمر ثم قال وما ورد عن ابن المسيب ورد فيه حديث سنذكره ثم أورد الحديث المتقدم ثم قال:
قال البيهقي: وهذا إن صح بهذا اللفظ فالمراد به والله أعلم ولا يتركون ولا يصلون إلى هذا المقدار ثم يكون مصلين فيما بين يدي الله تعالى وهو قريب مما قدمناه بل هو أولى ولم يورد حديث أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري الحديث كأنه لعدم صحته بل روى بعضهم من فضائله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من نبي إلا وقد رفع بعد ثلاث غيري فإني سألت الله عز وجل أن أكون فيما بينكم إلى يوم القيامة وذلك قوله تعالى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم). انتهى.
... فيبقى الاحتياج إلى التأويل إنما هو في حق غيره صلى الله عليه وسلم إن صح ذلك وقد أورد شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر حديث البيهقي أن الأنبياء لا يتركون إلى آخره وذكر أنه من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أحد فقهاء الكوفة قال ومحمد سيء الحفظ ثم قال ودس الغزالي ثم الرافعي حديثا لا أصل له إلا أنه أخذ يعني أصله من رواية ابن أبي ليلى هذه وليس الأخذ يجيد لأن رواية ابن أبي ليلى قابلة للتأويل ثم ذكر تأويل البيهقي المتقدم.
وقد قدمنا تأويله بنحوه غير أن رواية ابن أبي ليلى أقرب إلى التأويل وقد قال العلامة عبد الله بن عبد الملك المرجاني في تاريخ المدينة (صاحب الدر المنظم) أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ترك في أمته رحمة لهم، وروي عنه عليه السلام أنه قال: ما من نبي دفن إلا وقد رفع بعد ثلاث غيري فإني سألت الله عز وجل أن أكون بينكم إلى يوم القيامة. انتهى.
صفحة ١٢٥