تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
تصانيف
الأسباب الثانوية أو عقول الأجرام السماوية. (3)
العقل الفعال. (4)
النفس. (5)
الصورة. (6)
المادة المعنوية.
والمبدأ الأول هو بمفرده الأحدية المطلقة وما عداه متعدد، والثلاثة المبادئ الأولى ليست أجراما وليس لأحدها علاقة مباشرة بالأجرام، والثلاثة الأخيرة ليست بذاتها أجراما ولكنها متعلقة بها. والأجرام على ستة أنواع: أجرام الدوائر الفلكية، والحيوان العاقل، والحيوان غير العاقل، والنبات، والمعادن، وتلحق بها العناصر الأربعة، ومجموع هذه الأنواع يكون الوجود، وبعد أن أبان الفارابي ما ذكرنا تكلم على ما يستنبط من تلك المبادئ الستة، إلى أن وصل إلى الإنسان، ففحص نظام الجماعات البشرية ونسبتها إلى غاية الوجود الإنساني من حيث القرب والبعد من الكمال الذي هو نهاية كل موجود. وقال إنه لا يصل إلى درجة الكمال القصوى إلا ذوو الذكاء التام والقادرون على التأثر من العقل الفعال. (10) الدرجة القصوى في الكمال
ويشترط أن يكون العقل الفعال قد منح الإنسان الدراية الأولية التي يتفاوت الناس (بتفاوت خواصهم الطبيعية والبدنية) في الاستعداد للوقوف عليها والهداية بها. وإن هؤلاء الذين خطوا الخطوة الأولى وملكوا القدر الضروري من العلم يستطيعون بجدهم وبتأثير العقل الفعال، أن يصلوا إلى أرقى درجات الكمال. وينبغي لهم أن يفقهوا معنى درجة الكمال القصوى، وأن يجعلوها غايتهم ومقصدهم، وأن يقفوا عليها كدهم وذكاءهم وسائر أعمالهم، فإذا تيسر لهم ما تقدم وصلوا إلى حالة «العقل بالملكة»، وهي الدرجة السابقة لدرجة العقل المستفاد، فإذا بلغوا تلك الدرجة اتصلوا بالعقل الفعال وأصبحوا على أتم ما يكون من الاستعداد للتلقي والإلهام. وإذا وصل الإنسان إلى تلك الدرجة يحق أن يقال عنه إنه بلغ درجة الوحي الإلهي وإنه عادل الأنبياء. ولا يبلغ الإنسان هذه الدرجة العليا إلا إذا ارتفع كل حجاب بين العقل الفعال وبينه، وهذه هي الحالة الوحيدة التي يعترف فيها الفارابي بالوحي، وقد خالف بها آراء المتكلمين كما هو ظاهر. (11) خلود النفس بالجملة أو وحدة النفوس
يقول الفارابي بعد ذلك من الجلي أن السعادة التي يتمتع بها أهل المدينة تختلف قدرا ونوعا تبعا لدرجة الكمال التي بلغوها في الحياة الاجتماعية التي تتعلق بها درجة السعادة التي ينبغي الوصول إليها. فإذا فازوا بالانفصال عن المادة وروابط الأجسام فقد نجوا من الطوارئ المعرضة لها الأجسام بطبيعتها، بحيث لا يصح أن يطلق عليهم لا وصف الحركة ولا صفة السكون، بل يقال عنهم ما يقال عما لم يخرج من عالم الغيب. وما توصف به الأجسام لا يجب في حق تلك النفوس المفارقة التي لا يمكن تعيينها بقول فاصل. وذلك لصعوبة إحاطة الفكر بالموجودات التي لا هي أجسام ولا علاقة للأجسام بها. وإذا حولت أجسامهم إلى العدم وخلصت نفوسهم وسعدت، يخلفهم رجال غيرهم في المدينة فيسلكون سبيلهم ويقتدون بسيرتهم إلى أن تخلص نفوسهم وتحول أجسامهم إلى العدم كما كان من أمر أسلافهم، ثم ترتقي تلك النفوس المتشابهة وتمتزج بعضها بالبعض. وكلما زاد عدد النفوس الخالصة من أجسادها واندمجت كلها تمت سعادتها بحيث يزداد تمتع النفوس السابقة كلما لحقتها سواها من نوعها؛ لأن كل نفس إذا فكرت في ذاتها وجوهرها ألمت بذوات وجواهر مماثلة لها، وهذه الذوات والجواهر تزداد بكرور الأيام كلما التصقت نفوس حديثة العهد بتلك الوحدة النفسية بالنفوس القديمة. وبذا تزداد سعادة تلك النفوس المتحدة إلى اللانهاية. وهذه السعادة هي بعينها التي تكتسبها الأجيال الواحد بعد الآخر، وهذا هو النعيم الأبدي والذي يقصد إليه العقل الفعال ... هذا ملخص آراء «المدينة الفاضلة»، ويرى اللبيب في تلك النبذة التي قد يغمض فهمها على البعض أن الفارابي لا يقول بخلود النفس إلا شريطة أن تكون قد وصلت في الحياة الدنيوية إلى درجة العقل المستفاد، وقد يفسر قوله بما يوافق رأي القائلين بوحدة النفوس، وهو مبدأ ابن باجه وابن رشد.
وكتاب «المدينة الفاضلة» طبعه في مصر (في مطبعة النيل التي بادت) الشيخ مصطفى القباني الدمشقي الخطاط المتوفى في القضارف بالسودان عام 1914. (12) رأي ابن طفيل في وحدة النفوس
أما ابن طفيل أحد فلاسفة العرب الأشراقيين فلا يأبه لمؤلفات الفارابي فيما وراء الطبيعة. قال: إن معظم ما دونه أبو نصر كان في المنطق، وأما ما اتصل بنا من كتبه في الحكمة الصحيحة مملوء بالريب والتناقض. ثم أشار ابن طفيل إلى شكوك أبي نصر الفارابي في خلود النفس، فقال إن الفارابي ذكر في كتابه «كتاب الملة الفاضلة» أن النفوس الخبيثة تبقى بعد الموت في عذاب أبدي، ثم ذكر في سياسته أن تلك النفوس الخبيثة تتحول إلى العدم ولا تخلد إلا النفوس الكاملة.
صفحة غير معروفة