وانما قلنا أن من شرطه أن يكون جنسه (¬2) غير داخل تحت قدر العباد. أنه لو كان يقدر مدعى الرسالة على فعله، لكان مصدقا لنفسه، مثال ذلك أن يقول: اني رسول الله، وآية ذلك، أني أحرك يدي الآن، فانه لا يكون ذلك دليلا على صدقه، لأنه من حسن دعواه بلسانه. وقول بعض شيوخنا: قد يكون جنسه داخلا تحت قدر العباد، إلا أن الوجه الذي من جهته يكون دليلا على صدق مدعي الرسالة، لا يدخل تحت قدر العباد، أنه لو قال لعدد كثير وجم غفير: أنا رسول الله، وآية هذا (¬3) أني أحرك يدي الآن، وأن أحدكم لا يحرك في هذا الوقت يده، ولم يحرك أحد من الآخرين يده، مع كثرة عددهم، واختلاف أغراضهم وهممهم، وقد علموا دعواه وما جعله دليلا على صدقه/ لكان ذلك معجزا ودليلا له، لكنه ليس وجه إعجازه في حركة يده. وإنما هي في امساك العدد الكثير والجم الغفير عن تحرك أيديهم. /ص20/ ولذلك قال الله تعالى: (البقرة_94-95) فكان ذلك من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم_ وأدلة صدقه، فبهذه الصفات يتميز المعجز من غيره.
خاتمة للمؤلف (¬1)
فإذ قد ثبت ذلك من صفات المعجز، فوجه دلالته على صدق مدعي الرسالة، أنه إذا كان من فعل الله ومقارنا لما ادعاه، والباريء تعالى يعلم بما ادعاه عليه، وجعله دليلا على دعواه، ثم فعله له، وخرق له سليم العادة، فهو بمنزلة قوله: صدق، هذا رسولي، ولو ادعى زيد على عمرو أمرا أخبر به عنه وقال: آية هذا أني إذا نظرت إليه حرك يده، وقد علم عمرو بما ادعاه عليه وجعله دليلا على صدقه في دعواه، ثم فعل له ذلك كيف نظره اليه، لكان بمنزلة أن يقول: صدق (¬2) في دعواه. وفي هذا كفاية في بيان وجه دلالة المعجز على صدق مدعي الرسالة، وفي بيان صفاته التي يتميز بها مما ليس بمعجز، على وجه الاختصار والايجاز، والله الموفق للصواب برحمته.
/ص21/ الباب الثاني
في وجه تعلق كون النبي صلى الله عليه وسلم
صفحة ١٣