/ص2/ مقدمة المؤلف
/ص3/ بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد نبيه ورسوله
وسلم تسليما
قال الفقيه الامام الحافظ القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي رضي الله عنه
صفحة ١
الحمد لله بنعمته تتم الصالحات، وتنمي (¬1) البركات، وصلى الله على محمد نبيه وصفوته (¬2) من خلقه، وآله وسلم تسليما. أما بعد: يا أخي (¬1) _ وفقك الله_ فانك ذكرت لي أنه جرى في مجلسي من تفسير حديث النبي (¬2)_ صلى الله عليه وسلم_، /ص4/ والكتاب الذي قاضى عليه قريشا يوم الحديبية (¬3). أن بعض الناس قد ذكر أن النبي_ صلى الله عليه وسلم_ كتب في ذلك اليوم، ومنع من ذلك بعضهم، وأجريت عما تعلق به كل فريق منهم ما خف حسب ما تقتضيه مجالس المذاكرة ومواضع التعليم، مما لا يعرى عن فائدة للمنتهي، ولا يحير بالاكثار خاطر (¬4) المبتدي. وذكرت أن بعض من (¬5) بلغه ذلك أنكره انكارا جاوز فيه الحد، وأعظم به الخطيئة، (¬6) وزعم (¬7) أن في هذا إبطال المعجزة، ورد الشريعة، وتكذيب القرآن (¬8)، وسألتني (¬9) أن أكتب لك في ذلك ما يعول عليه، وأبسط القول فيه بأكثر مما جرى في المجلس المذكور، وأنسب الأقوال إلى القائلين لها، وأبين وجوهها، ووجه بطلان قول من أعظم انكارها، وأنبه على الصحيح منها. /ص5/ اذ قد وقع فيه من الاشكال، ما أحوج إلى البيان، فأجبتك إلى ما سألت، لما يتعين علي من ايضاح الحق واظهاره، ولما رغبته من منفعتك، وأقصده من تعليمك وتفهيمك. وأنا_ أن شاء الله_ الي من بيان حقيقة المعجز، ورواية هذا الحديث، وأقوال المختلفين في تأويله، وايضاح الحق في ذلك بما فيه كفاية. والكلام في هذه المسألة يكون في ستة أبواب:
أولها: في ذكر المعجز وبيان صفاته التي بها يتميز من غير المعجز.
والثاني: في وجه تعلق كون النبي- صلى الله عليه وسلم- أمسيا بالمعجز. والثالث: في ايراد الحديث المذكور واختلاف الرواة فيه.
والرابع: في ذكر أقوال الناس في تأويل هذا الحديث، وتعلق كل واحد منهم بلفظه، وذكر غير ذلك من وجوه حججه، مما أورده عن نفسه، ومما يلزمني أن أورده له اكمالا لحجته.
والخامس: في إبطال قول من قال: أن في أحد هذه الأقوال: ما يبطل (¬1) به المعجز ويتغير به الشرع أو يرد شيئا من القرآن.
والسادس: في بيان أصح الأقوال في هذه المسألة، وما يجب أن يعتمد عليه منها.
/ص6/ الباب الأول
في ذكر المعجز وبيان صفاته
التي بها يتميز من غير
المعجز
صفحة ٣
/ص7/ تمهيد (¬2) وأما وصفنا المعجز (¬1) بأنه معجز،فإن المراد به في اللغة (¬2) ما يتعذر على قدرة الإنسان نيله. يقال: طلب فلان فلانا فأعجزه، إذا تعذر عليه ادراكه، وهذا أعجز الأولين والآخرين، بمعنى تعذر على قدرهم، ولم تنته إليه طاقتهم. /ص8/ ثم استعمل في الشرع في وصف ما أتى به الرسل عليهم السلام معجز الصفات، هو عليها، إذا عرى عنها أو عن واحدة منها، لم يوصف بأنه معجز، وإذا تجمعت فيه، وصف بأنه معجز. وهي ثماني صفات:
إحداها (¬3)- أن يكون الفعل الموصوف بأنه معجز من فعل الله تبارك وتعالى، أو ما يجري مجرى فعله.
صفحة ٤
والثانية_ أن يكون أمرا خارقا للعادة. والثالثة_ أن يكون معه دعوى الرسالة. والرابعة_ أن يتحدى به من هو دليل عليه. والخامسة_ أن يقارن الإتيان به معنى الرسالة. والسادسة_ أن يكون بينه وبين مدعي الرسالة تعلق. والسابعة_ أن يكون موافقا لدعواه، غير مناقض له، ولا مكذب به. والثامنة_ أن يكون جنسه غير داخل تحت قدر العباد في قول جماعة من شيوخنا. وقال بعضهم: يدخل جنسه تحت قدر العباد، إلا أن الوجه الذي له كان معجزا لا يدخل تحت قدر العباد.
/ص9/ فصل أول
أن يكون الفعل الموصوف بأنه معجز من فعل
صفحة ٥
الله تعالى أو ما يجري مجرى فعله وانما قلنا: أن من صفاته المشترطة في كونه معجزا، أن يكون من فعل الله، لأن ظهور المعجز على يد مدعي الرسالة بمنزلة قوله تعالى: صدق، هذا رسولي. فيجب أن يكون المعجز من فعله ليكون تصديقا له، لأنه متى ادعى على زيد أمر من الأمور، فقال عمرو: صدق، لم يكون في ذلك تصديق للمدعي من زيد حتى يقول: صدق. فيجب أن يكون التصديق من قبل المدعي عليه الرسالة، ومن فعله. وقولنا: أو ما يجري مجرى الفعل: نريد بذلك الاعدام، لأنه لو قال (¬1) النبي_ عليه السلام_: أنا رسول الله، وأية (¬2) ذلك أن الله يعدم الأن هذا الجبل ويفنيه، فلا يبقى له عين ولا أثر/ ثم يفعل له ذلك، لكان معجزا ودليلا (¬3) على صدقه، وان لم يكن الاعدام ولا الافناء عند شيوخنا (¬4) فعلا.
/ص 10/ فصل ثاني
صفحة ٦
أن يكون أمرا خارقا للعادة وإنما قولنا: أن من شرطه (¬1) أن يكون خارقا للعادة (¬2) لأن الأفعال المعتادة ليس لمدعي الرسالة أن يقول: هي دليل على صدقه،الا ولمنكرها أن يقول: هي دليل على كذبه وصدق مخالفه، لأنه إذا قال: أنا رسول الله، وآية هذا (¬3) أنه إذا قطع رأس هذا الإنسان مات، وإذا جاور هذا الثوب النار احترق، كان لمخالفه أن يقول له: هذا دليل على كذبك. وكان لكذاب يدعي الرسالة تناقض (¬4) رسالة الأول وتخالفها، أن يجعل ذلك أيضا دليلا على صدقه، وكذب مخالفه. فوجب أن يبطل ذلك كله، ولا يكون فيه دليل على صدق أحد وكذبه.
/ص 11/ فصل ثالث
صفحة ٧
أن يكن معه دعوى الرسالة وإنما قولنا: أن من شرطه أن يكون معه دعوى الرسالة، لأن الباريء تعالى قد يخرق العادات وينقضها على أيدي الصادقين دون دعوى رسالة يدعونها. فلا يكون ذلك معجزا، مثل ما يخرق العادات وينقضها بكرمات (¬1) الأولياء والصالحين ممن ليس بنبي ولا رسول. وقد ينقضها عند كثير من الناس، على أيدي الكذابين، ما لم يدعوا رسالة (¬2)، مثل ما روي (¬3) أنه ينقضها على يدي الدجال فيما يظهر أنه سبق معد من الماء والنار والطعام، وهو يدعي الربوبية، ولو ادعى الرسالة، لم يظهر ذلك على يديه، لأنه إذا ادعى الربوبية. ففيه من صفات الحدوث ما يبطل دعواه. ولو ادعى النبوة وأظهر له هذه الأمور الخارقة للعادة، لم يكن لنا طريق إلى معرفة كذبه، واوجب أن يكون ذلك تصديقا له. والله تعالى لا يصدق الكاذبين.
/ص 12/ فصل رابع
" أن يتحدى به من هو دليل عليه"
صفحة ٨
وانما قولنا: أن من شرطه أن يتحدى (¬4) به من يكون دليلا عليه أن الرسول_ عليه السلام_ انما تظهر هذه المعجزات على يده لتكون تصديقا له من ربه تعالى.
/ص13/ فلا بد أن يكون أتى نبي صادق، وآية ذلك، أن الله تعالى يصدقنى بأمر كذا، مما تخرق به العادة من أفضاله التي ننفرد بها على يدي من فلق البحر (¬1)، وأحيا الموتى (¬2) وشبه ذلك من المعجزات، فمن لم يصدقني فليأت بمثله. ولذلك قال: (يونس: 38). وقال تعالى (الإسراء 88).
صفحة ٩
/ص14/ وكذلك تحدى موسى (¬1)_ عليه السلام_ السحرة وغيرهم، بما أتى به من الآيات البينات (¬2). والله تعالى يصدق رسوله ويظهر دينه.
/ص15/ فصل "خامس"
"أن يقارن الإتيان به معنى الرسالة"
صفحة ١٠
وانما قولنا أن من شرطه/ أن يقارن دعوى الرسالة، فلا يتقدمها، لأنه قال: اني رسول الله، وآية هذا أن الله قد أحيا الموتى في زمن عيسى (¬3) _ عليه السلام_. وفلق البحر في زمن موسى_ عليه السلام، /ص16/ وإن القريب (¬1) قد تكلم منذ عامين، لكان لمخالفه أن يقول له: ذلك دليل كذبك، وصحة دعوى مخالفك، ولكان لغيره أن يدعي بذلك رسالة تناقض رسالته وتوجب ابطالها (¬2).
/ص17/ فصل "سادس"
أن يكون بينه وبين مدعي الرسالة
تعلق
وإنما قلنا: أن من شرطه أن يكون بينه وبين مدعي الرسالة تعلق، يكون به شاهدا له ودليلا على صدقه، أنه لو لم يكن كذلك، لم يكن له أن يدعيه دليلا على صدقه، إلا ولمخالفه أن يدعيه دليلا على كذبه. لأنه لو رأى رجل موسى قد ضرب بعصاه البحر، فانفلق فقال ذلك الرجل: أنا نبي، وأية هذا انفلاق هذا البحر، لم يكن ذلك دليلا على صدقه حتى يعلم أن انفلاقه كان على يده ويسببه. وكذلك لو قال رجل: أنا رسول الله، وآية هذا، ما نزل على محمد_ صلى الله عليه وسلم_، من القرآن، لم يكن ذلك دليلا له، وإنما يدل على صدق من ظهر على يده ونجم من جهته.
/ص18/ فصل "سابع"
"أن يكون موافقا لدعواه غير مناقض له
ولا مكذب به"
صفحة ١١
وانما قلنا أن من شرطه أن يكون مطابقا له، فهو بمنزلة أن يقول: صدق، وهو رسول. وإذا كان مناقضا له، فهو بمنزلة أن يقول: كذب وليس برسول. وذلك أنه لو قال: أنا رسول الله، وآية ذلك، أن هذا الجبل يفنى الآن ويعدم حتى لا يبقى له عين ولا أثر، فيعظم ذلك الجبل، ويبلغ أمثال ما علم عليه، لكان في ذلك" تكذيب" (¬1) له، ولم يكن فيه تصديق له. وكذلك لو قال: أن الله ينطق الآن هذا الحجر بتصديقي، فينطقه الله بتكذيبه، لكان في ذلك تكذيب له.
/ص19/ فصل ثامن
أن يكون جنسه غير داخل تحت قدر العباد في قول جماعة من شيوخنا: وقال بعضهم: يدخل جنسه تحت قدر العباد، إلا أن الوجه الذي له كان معجزا، لا يدخل تحت قدر العباد
صفحة ١٢
وانما قلنا أن من شرطه أن يكون جنسه (¬2) غير داخل تحت قدر العباد. أنه لو كان يقدر مدعى الرسالة على فعله، لكان مصدقا لنفسه، مثال ذلك أن يقول: اني رسول الله، وآية ذلك، أني أحرك يدي الآن، فانه لا يكون ذلك دليلا على صدقه، لأنه من حسن دعواه بلسانه. وقول بعض شيوخنا: قد يكون جنسه داخلا تحت قدر العباد، إلا أن الوجه الذي من جهته يكون دليلا على صدق مدعي الرسالة، لا يدخل تحت قدر العباد، أنه لو قال لعدد كثير وجم غفير: أنا رسول الله، وآية هذا (¬3) أني أحرك يدي الآن، وأن أحدكم لا يحرك في هذا الوقت يده، ولم يحرك أحد من الآخرين يده، مع كثرة عددهم، واختلاف أغراضهم وهممهم، وقد علموا دعواه وما جعله دليلا على صدقه/ لكان ذلك معجزا ودليلا له، لكنه ليس وجه إعجازه في حركة يده. وإنما هي في امساك العدد الكثير والجم الغفير عن تحرك أيديهم. /ص20/ ولذلك قال الله تعالى: (البقرة_94-95) فكان ذلك من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم_ وأدلة صدقه، فبهذه الصفات يتميز المعجز من غيره.
خاتمة للمؤلف (¬1)
فإذ قد ثبت ذلك من صفات المعجز، فوجه دلالته على صدق مدعي الرسالة، أنه إذا كان من فعل الله ومقارنا لما ادعاه، والباريء تعالى يعلم بما ادعاه عليه، وجعله دليلا على دعواه، ثم فعله له، وخرق له سليم العادة، فهو بمنزلة قوله: صدق، هذا رسولي، ولو ادعى زيد على عمرو أمرا أخبر به عنه وقال: آية هذا أني إذا نظرت إليه حرك يده، وقد علم عمرو بما ادعاه عليه وجعله دليلا على صدقه في دعواه، ثم فعل له ذلك كيف نظره اليه، لكان بمنزلة أن يقول: صدق (¬2) في دعواه. وفي هذا كفاية في بيان وجه دلالة المعجز على صدق مدعي الرسالة، وفي بيان صفاته التي يتميز بها مما ليس بمعجز، على وجه الاختصار والايجاز، والله الموفق للصواب برحمته.
/ص21/ الباب الثاني
في وجه تعلق كون النبي صلى الله عليه وسلم
صفحة ١٣
أميا بالمعجز /ص22/ وإذ قدمنا ذلك (¬1)، فالواجب أن نبين "وجه تعلق" (¬2) كون النبي صلى الله عليه وسلم أميا بمعجزاته. وذلك أن كونه أميا بمجرده لا تعلق له بالاعجاز، لأن الأميين في زمنه وفي كل زمن عدد لا يحصى، وهم أكثر من غيرهم، ولم يكن ذلك معجزا لهم. ولو ادعى مدع رسالة وقال: آية ذلك أني أمي، لقال له عشرة آلاف (¬3) من الناس: نحن كلنا هذه الصفة، وهي دليل على كذبك. وأيضا فإن كونه أميا صفة متقدمة من صفاته، وقد قلنا: أن من شرط المعجز أن يقارن دعوى الرسالة (¬4)، غير متقدم عليها، وأيضافإن المعجز أمر خارق للعادة (¬5) وليس في كون الإنسان أميا خرق لها. فإذا تبين أنه ليس في مجرد كون الإنسان أميا خرق للعادة، ولا تعلق بالإعجاز،فإن الواجب أن ينظر إلى المعاني التي يقدر عليها الأمي في مستقر العادة، فإذا جعلها الله للأمي المدعي للرسالة وأقدره عليها كان ذلك دليلا على صدقه، وكان الإعجاز في اقراره على ما يتقرر على الأميين غيره، لا في كون أميا.
صفحة ١٤
/ص23/ ولا يصح ذلك إلا بأن يعلم كونه أميا علما لا يدخله شك (¬6) ولا ريب، ووجه ذلك أن رجلا لو نشأ مع اخوته وأقاربه وبني عمه منذ يولد إلى أن يبلغ الأشد (¬7)، لم يفارقهم جملة، ولا ترك مداخلتهم والتصرف معهم، لعرفوا بذلك جميع أحواله، ولعرفوا كونه أميا أو كاتبا أو قارئا معرفة ضرورة لا يجوز عليها التشكك ولا الإرتياب. وإذا عرفوا من حاله أنه أمي لا يميز حرفا واحدا من حروف الهجاء إلى أن ادعى النبوة، وبعد ذلك إلى يوم الحديبية، فلو قال لهم، أنكم قد عرفتم حالي كما عرفت أحوالكم، وأنه صدقني في دعوى الرسالة، أنكم قد علمتم أني أمي لم أتعلم كتابة ولا تناولتها قط، ولا عرفت شيئا منها، وأنا الآن آخذ هذا القلم وليمل من شاء منكم ما شاء، فإنه لا يخط بيدي القلم إلا ما يملى، أو أني الآن من أعلمكم بالخط والهجاء دون تعليم، وأدربكم يدا به وأجرأكم قلما، وأحسنكم خطا دون تعليم ولا تدريب، لكان ذلك معجزا ودليلا على صدقه، ولكان بمنزلة أن يثبت ولا علم له بالزنجية أو اليونانية، ثم يصبح من الغد ويدعي الرسالة ويقول: أية ذلك أنكم قد علمتم أني لم أر زنجيا قط، ولا تكلمت بلسانه، وأني الآن أعرف الناس بلغته، وأدربهم لسانا بمحاورته. /ص24/ ثم وجد في الوقت عدد من الزنج لا يصح عليهم التواطؤ (¬1) ولا التشاعر.
صفحة ١٥
فأخبروا بأنه عالم بلغتهم وأنه ليس أحد منهم أعرف بها من هذا المدعي للرسالة، ولا أسرع مراجعة، ولا أصح نطقا، لكان ذلك معجزا ودليلا على صدقه، لأن فيه صفات الإعجاز التي اشترطناها في كون المعجز معجزا، ومن هذا النوع من المعجز، أن نبينا_ عليه السلام_ نشأ مع قريش كنشأة الإنسان منا مع أخوته وبني عمه وأقاربه، ثم لم يفارقهم في سفر ولا حضر، بل كانوا معه إلى أن ادعى الرسالة، ولم يعرف قبل ذلك بقراءة كتاب، ولا دراسة سير ولا مداخلة أحد من أهل الملل (¬1) حتى بعث رسول الله_ صلى الله عليه وسلم فأخبر عن القرون الماضية، والأمم السالفة، بما لا يبلغ معرفته، وتعذر على الأخبار بمثله، إلا من أفنى عمره في دراسة ذلك وقراءته ، ومجالسة العالمين به ومذاكرتهم به.
صفحة ١٦
/ص25/ فكان هذا من أعظم المعجزات، وأكبر الآيات البينات، لأن هذا ليس من فعل البشر، وهو خارق للعادة بعيد عن مستقر الطبيعة، واقترن به التحدي ودعوى الرسالة، ووجدت فيه سائر صفات المعجزه وكان من معجزاته وبدائع أياته_ صلى الله عليه وسلم_ وشرف وكرم. فهذا وجه تعلق المعجز، كونه صلى الله عليه وسلم أميا ولذلك قال (العنكبوت_ 48) فلم يكن_ صلى الله عليه وسلم_ أوحي إليه يتلو كتابا ولا يخطه بيمينه، ثم تلا بعد ذلك أفضل الكتب وهو القرآن، من غير تعليم (¬2) وكان ذلك من أياته. ولم تخرجه تلاوته له بعد أن لم يتل كتابا قبل نبوته عن أن يكون من معجزاته، فإن كان كتب بعد أن لم يكتب قبل نبوته، فإن ذلك أيضا لا يؤثر في شيء من معجزاته (¬1) ولا يرد آية من آياته ولا يغير شيئا مما جاء به.
/ص26/ الباب الثالث
"في أيراد الحديث المذكور واختلاف الرواة فيه"
صفحة ١٧
/ص27/ وأما نص مقاضاة النبي_ صلى الله عليه وسلم_ يوم الحديبية، فاختلف الرواة فيه (¬2)، فرواه الزهري (¬3) عن عروة (¬4) /ص28/ عن المسور (¬1) ومروان (¬2) فقال في هذا الفصل الذي جرى الكلام فيه: /ص29/ فدعا النبي_ صلى الله عليه وسلم_ فقال النبي صلى الله عليه وسلم_: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ماهي (¬3)، ولكن اكتب باسمك اللهم (¬4) كما كنت تكتب (¬5) فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي_ صلى الله عليه وسلم_: أكتب باسمك اللهم، ثم قال: هذا ما قاضى (¬1) عليه محمد رسول الله، /ص30/ فقال سهيل: (¬2) والله لو كنا نعلم أنك رسول الله، ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال النبي_ صلى الله عليه وسلم_، والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، أكتب محمد بن عبد الله (¬3).
صفحة ١٩
/ص31/ هكذا أخرجه البخاري (¬1) عن عبد الله بن محمد (¬2) عن عبد الرزاق (¬3) عن معمر (¬4) عن الزهري. /ص32/ ورواه (¬5) في الاصلاح بين الناس، عن محمد بن بشار (¬6) عن غندر (¬1) عن شعبة (¬2) عن أبي اسحاق (¬3) /ص33/ عن البراء بن عازب (¬4) فقال فيه: ف (كتب علي بن أبي طالب بينهم كتابا، فكتب محمد رسول الله_ صلى الله عليه وسلم (¬5)، فقال المشركون: لا تكتب محمد رسول الله لو كنت رسولا لم نقاتلك.
صفحة ٢١
فقال لعلي: أمحه،" فقال علي" ما أنا بالذي أمحاه (¬1)، فمحاه رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ بيده، /ص34/ وصالحهم (¬2) على أن يدخل هو وأصحابه ثلاثة أيام (¬3). ورواه إسرائيل (¬4) عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب فقال في هذا الفصل: فلما كتبوا الكتاب، كتبوا: هذا ما قاضى عليه رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ (¬5) فقالوا: لا نقر بها (¬6)، فلو نعلم (¬7) أنك رسول الله ما منعناك (¬8)، لكن أنت محمد بن عبد الله، قال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ثم قال لعلي: أمح رسول الله، قال: لا، والله لا أمحوك أبدا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم_ الكتاب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. (¬9) /ص35/ هكذا أخرجه البخاري في الاصلاح بين الناس، عن عبيد الله بن موسى (¬10) عن اسرائيل.
صفحة ٢٢
وأخرجه في عمرة القضاء، عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بإسناده (¬1) فقال فيه: فلما كتبوا الكتاب، كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله. فقالوا: لا نقر بهذا، لو نعلم أنك رسول الله، ما منعناك شيئا. ولكن أنت محمد بن عبد الله، فقال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ثم قال لعلي بن أبي طالب: أمح رسول الله، قال ("علي: لا") (¬2) والله لا أمحوك أبدا. فأخذ رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب، وليس يحسن يكتب، فكتب: (¬3)
/ص36/ هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله (¬4). فهذه نبذه كافية في اختلاف الرويات، في هذا الفصل، من هذا الحديث، على وجه الاختصار. وله أسانيد كثيرة، وألفاظ مختلفة، يطول بتتبعها الكتاب، ولا يخرج عن معنى ما أوردناه، فلا معنى للإكثار بها، وبالله التوفيق.
/ص37/ الباب الرابع
في ذكر أقوال الناس في تأويل هذا الحديث
وتعلق كل واحد منهم بلفظه، وذكر غير ذلك من وجوه
حججه مما أورده عن نفسه، ومما يلزمني أن أورده له
صفحة ٢٣