{ إن هذا } المذكور من بناء عيسى (ع) وحمل مريم (ع) به وتولده الى آخر ما ذكر فى حقه { لهو القصص } مصدر قصصت الحديث واقتصصته رويته على جهته وهو بمعناه المصدرى اى بمعنى المقصوص وهذا يفيد الحصر سواء كان الضمير للفصل او اسما مبتدأ ثانيا والمراد الحصر الاضافى بالنسبة الى ما قالوه فى حق عيسى (ع) فانه لا يخلو من شوب باطل بخلافه فانه القصص { الحق } الذى لا يشوبه باطل { وما من إله إلا الله } تصريح ببعض ما يستفاد من الحصر السابق يعنى هذا هو الحق لا ما قالوه فى حقه ومن جملة ما قالوه انه اله وانه ثالث ثلاثة وما من اله الا الله { وإن الله لهو العزيز } الغالب الذى لا يمنع من مراده { الحكيم } فى علمه وعمله وهو عطف فى معنى التعليل يعنى ان الاله ينبغى ان يكون عزيزا وحكيما حتى يعلم غايات الامور على ما ينبغى، ويتمكن من العمل على ما ينبغى، وحتى لا يغلب فى مراده؛ وهذه الاوصاف منحصرة فى الله فما من اله الا الله لا عيسى (ع) متفردا او مشاركا.
[3.63]
{ فإن تولوا } يعنى هؤلاء المحاجون عنك او عن دينك او عن قصص عيسى (ع) على ما ذكر فليحذروا { فإن الله عليم بالمفسدين } اى بهم ووضع الظاهر موضع المضمر للاشعار بأنهم فى التولى مفسدون فى عالمهم الصغير والكبير.
[3.64]
{ قل } يا محمد (ص) بعد ما اتممت لهم الحجة بتقرير حال عيسى (ع) واثبات المخلوقية والعبدية له من بيان احواله ثم بالزامهم بالمباهلة بعد ان لم تنجع فيهم الحجة البيانية وانقيادهم شيئا من الانقياد مع بقائهم على دينهم لعموم اهل الكتاب من اليهود والنصارى بطريق اللطف فى المحاجة والمداراة فيها { يأهل الكتاب تعالوا } من الخلاف والشقاق { إلى } الاتفاق والاجتماع فى { كلمة } واحدة هى توحيد الله فى العبادة وفى الآلهة وفى الطاعة { سوآء بيننا وبينكم } يعنى حتى تصير تلك الكلمة متساوية النسبة فى القبول بيننا وبينكم فلفظ سواء مصدر بمعنى اسم الفاعل للزمان الاتى { ألا نعبد إلا الله } بخلاف عبدة عزير باعتقاد انه ابن الله من اليهود، وعبدة المسيح باعتقاد انه الله او انه ابن الله من النصارى وهو خبر مبتدء محذوف او بدل من كلمة { ولا نشرك به شيئا } فى الآلهة بخلاف من قال من النصارى ان الله ثالث ثلاثة { ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله } فى الطاعة بخلاف من اتخذ الاحبار والرهبان والرؤساء اربابا فى الانقياد والطاعة ثابتين بعضا من غير الله، او ناشئة ربوبيتهم من غير الله، او من غير اذن الله فلفظ من للتبعيض والظرف مستقر وصف لاربابا، او لفظ من للابتداء والظرف لغو، او مستقر وصفة لاربابا، وطاعة المخلوق فى الدين من غير اذن الله وأمره به نحو عبادة للمطاع من حيث لا يشعر؛ ولذلك قال فى سورة التوبة:
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم ومآ أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا
[التوبة:31] يعنى ان طاعتهم للاحبار من غير نظر الى اذن الله وأمره عبادة لهم وما أمروا الا بالعبادة للاله الواحد وروى انه لما نزلت آية اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله قال عدى بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله (ص)؟ - قال:
" اليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟ - قال: نعم، قال: هو ذاك "
{ فإن تولوا } عن الاتفاق فى الكلمة معكم مع ان الانبياء واممهم كانوا متفقين فى تلك الكلمة { فقولوا } جمع الامة معه (ص) فى الخطاب لان هذا الكلام امر بالموادعة معهم بعد اتمام الحجة والزامهم، وهذا لجميع الامة بخلاف الكلمات السابقة فانها كانت دعوة واحتجاجا وليسا الا شأنه (ص) ولذلك خصه فى السابق بالخطاب { اشهدوا } يعنى تبجحوا وتفاخروا بالانقياد لتلك الكلمة وقولوا لمن تولوا عن الانقياد: اشهدوا علينا { بأنا مسلمون } منقادون لتلك الكلمة.
[3.65]
صفحة غير معروفة