{ فمن حآجك فيه } اى فى عيسى (ع) او فى الحق الذى من ربك من التوحيد ورسالتك وخلق عيسى (ع) وكونه بنفخ من الله من غير سفاح ومن غير اب وفى كونه عبدا غير رب { من بعد ما جآءك من العلم } من بيانية او تبعيضية ولم يقل من بعد ما اخذت او تعلمت العلم للاشعار بان العلم اجل وارفع من ان يحصل بالكسب وانما هو نور يقذفه الله فى قلب من يشاء والتفسير بمجيء البينات الموجبة للعلم كما عن العامة تفسير مستغنى عنه { فقل } لهم بعد ان لم ينجع فيهم الحجة ولم يرتدعوا بالبيان والبرهان { تعالوا } الينا او الى مجتمع الناس حتى نجيء نحن للحجة الفارقة التى لا يشك احد عند مشاهدتها فى الغالب والمغلوب والمحق والمبطل وتلك الحجة هى الابتهال الذى هو الاجتهاد فى الدعاء بخير او بشر ليلحق لعن الحق تعالى وعقوبته للمبطل منا ويظهر بطلانه، ودعاء الخصم الى مثل هذا الامر لا يكون الا من العلم بصدق نفس الداعى وبطلان خصمه واليقين باجابة الله له، فان الشاك فى امره لا يجترئ على مثل هذا الامر، والشاك فى الاجابة يتخوف من بطلان الدعوى بعدم الاجابة، ولكونه على يقين من أمره أمر بدعاء أعزة آهالهم فان الانسان لا يقدم على اهلاك اهله معه بل يخاطر بنفسه دونهم ويجعل نفسه غرضا للبلايا والقتل لحفظهم ولذلك قدم الاهم فالاهم فان الابناء اعز الانفس على الرجل ثم النساء لان غيرة الناموس تقتضى الدخول فى المهالك لحفظهن ومن ثم كانوا يسوقون الظعائن فى الحروب معهم لتمنعهم من الهرب وقال: { تعالوا }.
تحقيق شرافة من كان مع محمد فى المباهلة
{ ندع أبناءنا وأبنآءكم } هذا من قبيل قالوا كونوا هودا او نصارى { ونسآءنا ونسآءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل } يجتهد كل منا فى الدعاء على الآخر { فنجعل } بدعائنا { لعنت الله } طرد الله وابعاده من رحمته وهو كناية عن العقوبة { على الكاذبين } هذه الآية من أدل الدلائل على صدقه فى نبوته، وعلى شرافة من أتى بهم للمباهلة وكونهم أعزة اهله واصحابه، ولا خلاف بين الفريقين انه (ص) لم يأت بأحد معه للمباهلة سوى الحسنين (ع) وفاطمة (ع) وعلى (ع). روى عن الصادق (ع) ان نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله (ص) وكان سيدهم الاهتم والعاقب والسيد وحضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس وصلوا فقال اصحاب رسول الله (ص): يا رسول الله (ص) هذا فى مسجدك؟ - فقال:
" دعوهم، فلما فرغوا دنوا من رسول الله (ص) فقالوا الى ما تدعو؟ - فقال: الى شهادة ان لا اله الا الله وانى رسول الله وان عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث، قالوا: فمن ابوه؟ - فنزل الوحى على رسول الله (ص) فقال: قل لهم ما تقولون فى آدم (ع) اكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ - فسألهم النبى (ص)، فقالوا: نعم، قال: فمن أبوه؟ - فبهتوا فأنزل الله: ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم الى قوله { فنجعل لعنت الله على الكاذبين } ، فقال رسول الله (ص): فباهلونى فان كنت صادقا انزلت اللعنة عليكم وان كنت كاذبا انزلت على، فقالوا: انصفت فتواعدوا للمباهلة فلما رجعوا الى منازلهم قال رؤساؤهم: ان باهلنا بقومه باهلناه فانه ليس نبيا وان باهلنا بأهل بيته خاصة فلا نباهله فانه لا يقدم الى اهل بيته الا وهو صادق، فلما أصبحوا جاؤا الى رسول الله (ص) ومعه أمير المؤمنين (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) فقال النصارى: من هؤلاء؟ - فقيل لهم: ان هذا ابن عمه ووصيه وختنه على بن ابى طالب (ع) وهذه بنته فاطمة (ع) وهذان ابناه الحسن (ع) والحسين (ع) ففرقوا وقالوا لرسول الله (ص): نعطيك الرضا فاعفنا عن المباهلة فصالحهم رسول الله (ص) على الجزية وانصرفوا "
، وفى الكشاف روى: انه (ص) لما دعاهم الى المباهلة قالوا: نرجع وننظر فلما تخلوا قالوا لعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ - فقال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا (ص) نبى مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لنهلكن فان ابيتم الا الف دينكم والاقامة على ما انتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا الى بلادكم، فأتوا رسول الله (ص) وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه وعلى (ع) خلفها وهو يقول:
" اذا انا دعوت فأمنوا، فقال اسقف نجران: يا معشر النصارى انى لأرى وجوها لو سألوا الله ان يزيل جبلا من مكانه لازاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الارض نصرانى الى يوم القيامة، فقالوا: يا ابا القاسم رأينا ان لا نباهلك وان نقرك على دينك ونثبت على ديننا، قال: فاذا ابيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فأبوا قال: فانى اناجزكم، فقالوا: ما لنا بحرب العرب من طاقة ولكن نصالحك على ان لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا على ان نؤدى اليك كل عام ألفى حلة الف فى صفر والف فى رجب وثلاثين درعا من حديد؛ فصالحهم على ذلك، وقال: والذى نفسى بيده ان الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولولا عنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولا اضطرم عليهم الوادى نارا ولا استأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤس الشجر "
وعن عائشة رضى الله عنها
" ان رسول الله (ص) خرج وعليه مرط مرحل من شعر اسود فجاء الحسن (ع) فأدخله ثم جاء الحسين (ع) فأدخله ثم فاطمة (ع) ثم على (ع) ثم قال: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت "
، فان قلت: ما كان دعاؤه الى المباهلة الا لتبيين الكاذب منه ومن خصمه وذلك امر يختص به وبمن يكاذبه فما معنى ضم الابناء والنساء؟ - قلت: ذلك. اكد فى الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض اعزته وافلاذ كبده واحب الناس اليه لذلك ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع احبته واعزته هلاك الاستئصال ان تمت المباهلة وخص الابناء والنساء لانهم أعز الاهل وألصقهم بالقلوب وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ومن ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن فى الحروب لتمنعم من الهرب وقدمهم فى الذكر على الانفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الانفس مفدون بها، وفيه دليل لا شيء اقوى منه على فضل اصحاب الكساء (ع)، وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبى (ص). تم ما نقل من الكشاف، وقد نقلناه بطوله ليعلم انهم مقرون بفضل اصحاب الكساء وانهم على (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع)، وانه لم يكن احد اعز عليه من هؤلاء وان من منعهم حقهم او آذاهم كان اشد على نفسه ممن منع حقه وآذاه والحمد لله.
[3.62]
صفحة غير معروفة