وقد تستغرب هذا الوصف، ولكن المقارنة المجردة تشهد له وتنطق بصدقه. إن الملك عبد الله ألغى البرلمان الأردنى بمجلسيه: النواب والشيوخ، وسكت الشعب وهو يرى مستقبله المبهم، تلعب به أيد لا أمانة لها. أما "لويس السادس عشر" ملك فرنسا، فما ان أراد أن يتنكر للنظام الدستورى، ويلؤم مع الشعب المطالب به، حتى ألقى الشعب القبض عليه وقدمه للمحاكمة، فلما ثبتت عليه جريمة الخيانة للشعب وحقوقه، وضع عنقه تحت السكين، فاجتثته واجتثت معه المظالم المتوقعة. وهكذا قال! القضاء كلمته، ولم يحاول فرد هناك أن يغتال الملك خفية. أما الشرق المسكين فإن أوزار الاستعمار الداخلى والخارجى تنوء بكلكلها عليه وهو يتأوه فى صمت. ووددت لو لم يقتل الملك عبد الله غيلة، وأن يقدم أمام محكمة شعبية، تتولى حسابه حسابا دقيقا. على تصرفاته التى يزعم أعداؤه أنها سببت قتل ألوف من العرب والمسلمين، ومن الجيش المصرى المكافح لتحرير فلسطين. ويوم يقول القضاء العادل كلمته فتستريح ضمائر الأحرار، ويغسل من بلاد الإسلام عار أى عار. . طواغيت: لا يسر قلبى شىء مثل أن أرى اختفاء الجبارين وفراغ أيديهم من أسباب البطش ووسائل الغلبة والقهر وانكشاف مواهبهم بعد زوال الحكم وزوال ما يضفيه الحكم على ذويه من مواهب فارغة!. وعلة هذه العاطفة شعورى العميق بحاجة الشعوب الشرقية إلى حكومات لا تعطيها حقوقها فحسب، بل حكومات تسرف فى ذلك حد تدليل الشعب وإشعاره النهاية القصوى فى الحرية والسماحة، فإن الحكومات المستبدة القاسية، المستهينة بالدماء المستبيحة للحريات، هى فى الحقيقة الجسر الممهد الوحيد الذى يعبر عليه الإذلال الأجنبى والاستعمار الخارجى ليجد أمامه ظهورا أوجعتها سياط الإذلال الداخلى فأصبحت ذيولا ورؤوسا مرنت على الانحناء فأصبحت خفيضة منكسرة! إن دماء الشعوب غالية، فالويل لمن يرخصها من الحكام، والويل لمن يفرط فيها من المحكومين، وعلى دعاة النهضات الشرقية المعاصرة أن يفقهوا هذه الحقيقة، وأن يفقهوا فيها الأجيال القادمة، لقد مضى- ولعله إلى غير رجعة- العصر الذى كان ص _017
صفحة ١٥