وقد ورد في الكلام أن الإنسان يضطر غيره إلى أمره ونهيه، لاعلى سبيل الإكراه، وفيه مايكون كرها عليه، ولايصح ذلك من الشيطان، وعلى موجب القول بالعدل والتوحيد إن دعاء الشيطان الخلق إلى المعاصي غير مدخل لهم فيها، لأن دخولهم في المعاصي باختيارهم، والدعاء غير فعلهم، فإنما يحصل الإضطرارات، أن يزين له شيئا ويرغبه فيه، ويكون القابل لذلك من قبل نفسه، ولامعنى لقول من يقول إن الشيطان يدخل في صدر الإنسان ليوسوس له شيئا ويزينه له، وهذا من المحال لتعذر ذلك في الشاهد، ومنع العقل من ذلك، ولايتأول قوله تعالى: ?يوسوس في صدور الناس? [الناس: 5] على ذلك، وإنما هذا خبر من الله عز وجل وإعلام، ومثل يجري عند ذوي الأفهام، ومن يعرف العربية والكلام، لما كانت الوسوسة في النفس، وكانت تقرب من الصدر، عبر بذلك للمجاورة والقرب، كما ذهبت العرب في أقاويلها على ذلك.
(وليست فترة من الهدى، ولكنها فترة من الرسل والإرشاد، وفيها كتبه وحججه، وبقايا من أهل العلم يحيون العلم ويحيون به)
قد ذكرنا شرح الفترة. (من الهدى والإرشاد)، يريد الهدى نصب الأدلة ومايتوصل به المكلف إليها، وكذلك الإرشاد، وهو العقل، والكتاب، والسنة.
(ولكنها فترة من الرسل): زمان ليس فيه الرسول، و(فيه كتبه وحججه)، أي: وعلم حججه. (وبقايا من أهل العلم)، هم أهل الشريعة من فقهاء الأمة وخلفاء الأئمة وجلاء الظلمة.
صفحة ٨٢