واعلم أن في زيادة الأدلة ما يجوز أن يكون لطفا لمن قد استدل، دون من لم يستدل ولم يعرف، من حيث يعلم من حاله أن تأثيره إنما يكون فيه دون العارض عن الأدلة ، فهذا بمنزلة ما عرفناه من حال العالم العارف، أنه يتمكن من أن يعرف عند ذلك من الشبه وحلها ، والأسئلة وجوابها، وما يكون مؤكدا لدلالتها التي استدل بها، ما يجوز أن يعرفه غيره، وعند ذلك متى فكر فيما ذكرنا زاد ذلك في بصيرته، والشرح لصدره، من حيث ثبت في العلوم أن بعضها يتعلق ببعض، ولذلك نجد العالم المبرز أعلم بالمسألة الواحدة من غيره، وإن كان ذلك الغير قد عرفها، من حيث علم هذا من سائر ما يتصل بها، ويتعلق علمها به مالا يعرفها ذاك، وهذا ظاهر.
فإذا صحت هذه الجملة لم يمتنع أن يخص تعالى المؤمن المهتدي بهذا الوجه من اللطف، لأنه لايصح كونه لطفا إلا له دون غيره، ولايوجب ذلك أن يكون تعالى مانعا غيره من التمكين، أو من فعل ما كلف.
واعلم أنه قد يدخل في هذا الباب ما يورده تعالى على المكلف من الخواطر والتنبيه.
(إذ كانت الرغبة منها في البقاء، ونفورها عن الفناء دالة على المنة عليها ببقائها).
صفحة ٣١