وحدوث الحركات الفلكية بين لأنه لابد لها من أول، وما كان له أول فله آخر، ويستحيل أن تكون له أزلية، ومتى استحال قدم الحركات، استحال قدم المتحركات؛ لأنه لاجسم إلا متحرك أو ساكن، وحقيقة التحرك هو الانتقال من جهة إلى جهة، وهذا لايكون إلا متجددا حادثا، وحقيقة الساكن لبثه لا للنفس مع جواز انتقاله من موضعه، وقد نبه القرآن على ذلك، قال الله سبحانه: ?أو لم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج? [ق: 6]. ضربنا للمتعلم هذا مثلا ليقرب إلى فهمه معرفة حدوث العالم، وكررنا بهذا القول على البراهمة في نفي الرسالة.
ومن هيأ دعوة في بيت بناه وهو حكيم أليس يبث دعاته إلى حضور مأدبته وسنبين الكلام عليهم في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى.
فإذا ثبت حدوث السماء والأرض وما بينهما من الأجسام والأعراض بما ذكرنا من الأدلة، وجب أن يكون لها محدث قديم، قادر، لأن الكتابة يستحيل حدوثها من غير كاتب حي قادر، يتولى كتابة ذلك، فيجب مثل ذلك في حدوث العالم.
(إذ المثل جائز عليه ماجاز على مثله، من الانتقال والزوال ، والعجز، والزيادة، والنقصان).
وقد تقدم شرح هذه الجملة فلامعنى لإعادتها.
(وأن بإحداثه إياها له المنة عليها) بالبقاء ، وكيف لاتكون المنة للمالك على المملوك، وقد شاهدنا ذلك في السوقة والملوك، أعظم المنن خلق الإنسان بشرا سويا، ورزقه إياه بكرة وعشيا، وتعريضه للثواب العظيم الجسيم، وتحذيره من العذاب الأليم، بعد إزاحة العلة والسلامة، وتردد الدواعي والاستقامة، ولطف من الله سبحانه بنصب الأدلة؛ لأن الغرض بالأدلة الوصول بها إلى المعارف.
صفحة ٣٠