ومن العجب العجاب أن البعض لا يأمن على ولده حتى عندما يشب أن يتصرف بمفرده فهو مع السائق غاديا ورائحا ، ويقيده من الخروج والسفر في طلب علم أو جهاد أو غير ذلك من معالي الأمور ، لا لشيء إلا خوفه عليه من أن يخدش أو يلقى مشقة ، ولا مبرر لذلك كله ، لأن المشقة تصنع الرجال .
ومن عجيب ما يروى من حال هذه المرأة : أنها حثته على الرحلة في طلب الحديث ولم يجاوز السادسة عشرة سنة بعد ، وكانت في صغره تبعث به إلى الكتاب ، ولاشك أنه رافق هذه العناية في تعليمه عناية في سائر شؤونه حتى نشأ ابنها سليما من الأمراض النفسية ، ومن أثر العوائق الاجتماعية التي كان يمكن أن تؤثر على طفل مثله نشأ يتيما في حجر أمه، التي كفلته ولم تتزوج بعد أبيه رعاية له ، فحق أن تشارك ولدها في كل أجر يناله على تعليمه ، لأنها بذلت في ذلك مالها ووقتها وجهدها رحمها الله .
ونحن إذ نركز على إبراز دور أم الإمام أحمد إنما نضع أمام أعيننا نموذجا للمرأة التي تخاف الله في ذريتها ، وأن يكون ذلك حافزا لنا على إيجاد المحضن التربوي الذي يكفل لنا ظهور مثل الإمام أحمد رحمه الله تعالى ، أما كيف يكون ذلك فهذا له موضع آخر لا تحتمله هذه المقدمة(1).
- - - - -
شغله وكلفه بطلب العلم
كان يقول : ( أخذنا هذا العلم بالذل فلا ندفعه إلا بالذل )(2)، والذل في كل شيء مذموم إلا في طلب العلم ، وليس هو ذلا في الحقيقة بل هو عز ، ولما فيه من سؤال الغير عدوه ذلا فهو الذل الوحيد الذي يرفع صاحبه ويكون عاقبة أمره إلى عز ورفعة .
صفحة ٩