ولم يغفل التاريخ شخصية كان لها دور بارز وإن لم يدرك بعضنا ذلك في صياغة شخصية الإمام : إنها أمه : صفية بنت ميمونة بنت عبدالملك الشيباني من بني عامر .
لم تحدثنا المصادر كثيرا عنها ، إلا أنه من الثابت أنها هي التي كفلته بعد وفاة أبيه ، قال صالح ابنه : ( جيء بأبي حمل من مرو، فمات أبوه شابا فوليته أمه )(1).
وقال هو عن نفسه : ( ثقبت أمي أذني فكانت تصير فيهما لؤلؤتين ، فلما ترعرعت نزعتهما فكانت عندها ، ثم دفعتهما إلي فبعتهما بنحو ثلاثين درهما )(2).
كما يتبين مما نقل أنها كانت تحثه على طلب العلم ، بل وتشرف على ذلك منذ صغره ، اسمع إليه يقول : ( ربما أردت البكور في الحديث ، فتأخذ أمي بثوبي وتقول : حتى يؤذن المؤذن)(3)، أي أذان الفجر ، فكان من حرصه يريد الخروج قبل الفجر إلى حلقة المحدث ليكون قريبا منه فيستطيع السماع بوضوح ، ولكنها كانت تتابعه فتمنعه من الخروج حتى يؤذن الفجر ، إذ حينها يكثر خروج الناس للصلاة فتأمن عليه وهو صغير في الذهاب بمفرده للتعلم ، ونلاحظ هنا ملاحظتين : أولاهما : أنها كانت تشرف مباشرة على تربية ولدها ، لم تتركه لغيرها من أقاربه فضلا عن أن تتركه لخادمة كافرة أو فاسقة لاهية ، كما تفعل بعض أمهات هذا الزمان.
والثانية : أن خوفها ومحبتها الفطرية لولدها لم تجعل منها عائقا له من العلم والارتقاء ، وإنما استطاعت الموازنة بينهما ، وبعض الصالحين في هذه الأيام للأسف الشديد من الآباء فضلا عن الأمهات يتملكه الخوف على أولاده ويعاملهم بحنان زائد حتى يفضي بهم ذلك إلى الميوعة والركود ، مع كونهم على درجة من الصلاح ، ولكن ما يجدي أن يكون صالحا خاملا ؟ أليس حري بالصالحين أن يربوا أبناءهم على الطموح والجد منذ صغرهم ؟ .
صفحة ٨