CHECK [كتاب الصلاة للامام احمد]

رسالة الصلاة

للإمام المبجل : أحمد بن حنبل

قدم لها ووضع حواشيها الفقير إلى عفو مولاه :

أحمد بن صالح الزهراني

مقدمة

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن استن بسنه واهتدى بهديه ، أما بعد :

فقد كان من عادة الأئمة السائرة ، توجيه النصح للناس ، ودعوتهم إلى الخير بكل وسيلة ممكنة ، بالدروس العلمية وبالمواعظ والخطب ، وكذلك بالرسائل العامة والخاصة ، التي يبينون فيها الأحكام الشرعية ، والأصول العلمية مبنية على أدلتها من الكتاب والسنة .

ورسالة الصلاة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى من تلك الرسائل العامة التي وجهها رحمه الله نصحا للناس في أهم شعيرة من شعائر الدين وأعظم فريضة من فرائض الإسلام ، ألا وهي الصلاة .

وقفت عليها أثناء قراءتي في كتاب ( طبقات الحنابلة ) لابن أبي يعلى ، وقد لفت نظري كثرة مسائلها وعظاتها ونصائحها ، وتنويع الإمام لأسلوبه في عرض فكرته ، فتارة بالترغيب وتارة بالترهيب ، وتارة بذكر الأحكام الفقهية .

ولما انتهيت من قراءتها ووجدت الإمام يدعو بالرحمة لمن بثها ونشرها في المسلمين ، عزمت على العناية بها قدر الإمكان بتعليق بعض الحواشي وعزو ما استطيع من الأحاديث والآثار ، وبيان بعض المسائل التي تعرض لها الشيخ الإمام في رسالته ، سائلا ربي تعالى أن يقبل في دعوته وأن يتقبل مني ما احتسبته من خدمة هذه الرسالة وهو جهد المقل ، ما كان فيها من صواب فهو من الله وحده رحمة وهداية وتوفيقا ، وإلا فهو كيد الشيطان وضعف نفسي ، واستغفر الله في الأولى والأخرى ..

...............وكتب

............أحمد بن صالح الزهراني

............ 1 / 5 / 1420ه

ص . ب : 106963 جدة 21341

صفحة ١

[ تعريف بمؤلف الرسالة ] لا أحب أن أزيد في تعريف الإمام أحمد أكثر من أنه الإمام أحمد ، ومن ذا الذي لا يعرف الإمام أحمد ؟! الرجل الذي اقترنت الإمامة باسمه ، فلا يكاد يذكر اسمه إلا مقرونا بها ، إمام أهل السنة والجماعة ، حتى أصبح ينسب إليه كل متسنن سلفي ، ولو كان شافعيا أو حنفيا أو مالكيا في الفروع ، وأصبح السلفيون يطلق عليهم لفترات طويلة : الحنابلة .

أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، تعبت النساء أن يلدن مثله ، جمع الله له من الفضائل والشمائل ما يعجز الواصفون عن بلوغ قدره ، وليس بمعصوم ولكن { قد جعل الله لكل شيء قدرا } .

ولن أنبذ عن هذا الإمام بطريقة تقليدية ، فالمعلومات الأولية عنه معروفة للقاصي والداني ، وباختصار : فهو قد ولد سنة 164ه وملأ الدنيا علما ثم مات سنة 241 ه .

وكلما قرأت سيرة هذا الرجل أراني أتقاصر حتى إني أتلفت هل يراني من أحد ؟؟ وحق لي ذلك وأنا أرى ما بيننا وبينه أبعد ما بين المشرق والمغرب سواء في ذلك العلم والسلوك .

وإذا كان كل قارىء لسيرة رجل من الأعلام تستوقفه نقاط معينة في الترجمة ، فقد جالت برأسي خواطر أثناء قراءتي لترجمة ابن حنبل رحمه الله أحببت البوح بها لإخواني لعل في ذلك تربية لنفسي أولا ثم لمن يطلع على مقدمتي هذه .

- - - - -

إمامة ابن حنبل ؟

يحسب كثير منا أن الإمامة اكتساب ، وأنها فقط نتيجة الجد والعمل والمهارة العلمية وصفات النسك والتقوى .

ومع أن هذه الصفات لازمة لمن يكون إماما للناس إلا أنها لا تكفي لأن يكون الرجل إماما دون أن يجعله الله كذلك ، وحتى تتضح الصورة أعرض خمس آيات في كتاب الله تحدثت عن الإمامة في الدين :

1 . قوله تعالى: { إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } [ البقرة :124] .

صفحة ٢

استجاب الله تعالى لإبراهيم فجعله إماما للمؤمنين ومن ذريته أئمة للمؤمنين كذلك ، والإمامة بمعنى القدوة أي الذي يأتسي ويقتدي بأفعاله واقواله غيره ، فإن كان في الخير فهو إمام هدى وإن كان في الشر فهو إمام ضلالة .

وعليه فإن لفظ الإمامة أوسع من النبوة ، فكل نبي إمام وليس كل إمام نبي .

وفي الآية أن الإمامة اصطفاء فلا يكون إماما من لم يجعله الله كذلك ، وإنما يكون ذلك بالهداية لفعل الخير واكتساب العلم ونيل الرضا عليه ، فكم من عالم صالح ليس بإمام ،والله أعلم بخفايا القلوب غير أن الأئمة قليل .

وفي الآية إشارة إلى استجابة دعائه في ذريته لأنه استثنى الظالمين ، فإنهم لا ينالهم عهد الله ووعده لإبراهيم بأن يصطفي من ذريته أئمة .

2 . قال تعالى : { إن إبراهيم كان أمة } [النحل :120] .

الأمة : هو الجامع لخصال الخير ، وقد اختلفت عبارات السلف في تفسير هذه اللفظة ، وتجتمع أقوالهم في أن الأمة هو الإمام المقتدى به في الخير ، ولا يكون كذلك مالم يكن معلما لهم بالقول والفعل .

وفي وصف إبراهيم بالأمة معنى أشار إليه مجاهد بقوله : أمة على حدة، أي لوحده .

صفحة ٣

ففيه أن القدوة قد تتجزأ ، فقد يكون الرجل قدوة في العلم لا في العبادة ، أو العكس ، وقد يكون قدوة في الحرب دون العلم ، لكن ذلك لا يوصف بالإمامة المطلقة ، فلا يكون العبد أمة حتى يجمع خصال الخير فيكون شبيها بإبراهيم ، جامعا لخصال الخير معلما لها ، فيكون كأمة فيها من الرجال من يتصف بخصال من الخير لا تجتمع في واحد منهم لكنها بمجموعها موجودة في الأمة ، وقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يصف معاذا رضي الله عنه بأنه أمة ،وأنت إذا تمعنت في الموصوفين بالإمامة في تاريخنا الإسلامي تجدهم بهذه المثابة ، فقد جمعوا رحمهم الله البروز في عامة نواحي الخير وكانوا معلمين لها وطرح الله لهم القبول في الأرض فأصبحوا هم القدوات لعامة المنتسبين للإسلام كالخلفاء الأربعة والأئمة الأربعة وغيرهم ممن شابههم وسار على دربهم .

وبالجمع بين هاتين الآيتين تعرف جانبا مهما في الإمامة المطلقة ، وأنه من الخطأ إطلاق اسم الإمامة على من اشتهر قصورهم في نواحي مهمة في الاعتقاد أو السلوك أو غير ذلك .

3 . قال تعالى : { واجعلنا للمتقين إماما } [ الفرقان :74 ]

قال ابن جرير : ( معناه : واجعلنا للمتقين إماما يأتمون بنا في الخيرات) .

وقد استدل بها بعض المفسرين على استحباب طلب الرياسة في الدين ، وهذا منهم استدلال رائق ، غير أنهم لا يعنون أن يحارب الرجل ليفرض إمامته على الناس ، ويتسمى بها دون أن يسميه أحد بذلك ، كما لا يعنون أن يلجأ أتباع كل مدع أو عالم أو داعية إلى الغلو في صاحبهم وتفخيمه بوصفه بالإمامة المطلقة ، مع ما قد يتصف به من الخزايا التي لا تليق بمؤمن عادي فكيف بإمام؟.

صفحة ٤

بل هو دعاء ضمني بأن يتقبل الله منهم أعمالهم وأن يسددها ويصلحها وأن تكون صوابا على وفق ما يحبه ويرضاه فإنهم إذا كانوا كذلك كانوا جديرين بأن يمن الله تعالى عليهم فيضع لهم القبول في الأرض ويكونوا بذلك أئمة يقتدى بهم .

قال القرطبي : ( كان القشيري يقول : الإمامة بالدعاء لا بالدعوى ، يعني بتوفيق الله وتيسيره ومنته لا بما يدعيه كل أحد لنفسه ، وقال إبراهيم النخعي : لم يطلبوا الرياسة بل بأن يكونوا قدوة في الدين ، وقال ابن عباس : اجعلنا أئمة هدى ) .

4 . قال تعالى : { ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين . وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين } [ الأنبياء :72 73] .

في الآية بيان لاستجابة الله تعالى دعاء إبراهيم عليه السلام ، إذ جعل من ذريته المباشرة ائمة يهدون .

قال الزمخشري : ( فيه أن من صلح ليكون قدوة في دين الله فالهداية محتومة عليه مأمور هو بها من جهة الله ، ليس له أن يخل بها ويتثاقل عنها ، وأول ذلك أن يهتدي بنفسه لأن الانتفاع بهداه أعم والنفوس إلى الاقتداء بالمهدي أميل ) .

وفيها أيضا :بيان سبب استحقاقهم للإمامة ، وهو أنه تعالى أوحى إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأنهم امتثلوا هذه الأوامر فكانوا عبادا له فاستحقوا أن يكونوا أئمة يقتدى بهم في الخير ، فأساس الاصطفاء للإمامة هو التوفيق للهدى والصلاح ، وبما أن السبب يحتاج إلى إذن الله تعالى ورضاه فكذلك نتيجته .

وفيها توضيح أن الإمامة لا تكون إلا بركنيها : العلم والعمل ، فلا يكون الجاهل إماما قط كما لا يكون الفاسق إماما قط .

وفي الآية أنه أمرهم بذلك فقال : { يهدون بأمرنا } وقال : { وأوحينا إليهم فعل الخيرات } .

صفحة ٥