وكان من شأن العلماء في السابق التعزز على طلبة العلم في بذله لا لكبر وإنما ليشعر الطالب بقيمة هذا العلم فيحفظه ، ومن جهة أخرى حتى يميز الشيخ من هو حريص على العلم والصبر في تحصيله ممن يريد به عزا بين الناس ومكانة ، فإن الصادق في طلب العلم لا يأنف من ترفع العالم عليه وتعززه في ذلك ، وأما من يريد به دنيا فلا يستطيع ، فهو إذن نوع من التصفية .
وهذا الأسلوب من علماء السلف ينتهجه بعض أهل العلم وليس كلهم في وقتنا هذا ، فتجدهم يسيئون معاملة الطلاب، ولا يسمح أحدهم بدرس لطلاب العلم ويقسو عليهم في الدرس إن درس ، وهو يظن أنه بذلك ينتهج منهج السلف ، ولكنه في الحقيقة مخطىء ، لأن السلف كانوا يفعلون هذا في وقت كان في طلاب العلم والمقبلين عليه كثرة ، فكان يطيب لهم هذا التعامل ليميز الله الخبيث من الطيب ، ولا أدل على ذلك أن الإمام أحمد مثلا كان يجلس إليه في حلقته زهاء خمسة آلاف شخص ، هذا في درس تحديث(1)فهبني اليوم درسا راتبا لعالم يحضره خمس هذا العدد بل عشره .
وعليه فالمطلوب من أهل العلم وهم أعلم بذلك الإقبال على طلاب العلم واحتضانهم وتشجيعهم والإنفاق عليهم والصبر على سوء أدبهم إن أساءوا ، إذ هم في عصر اختلطت فيه الفتن وتشابكت ، فكون الشاب ينصرف عن هذه الدنيا التي جملها أهلها وزينها ليطلب العلم فهو خير عظيم إذ سلم نفسه لأهل العلم ليصوغوه ويوجهوه ، فإن وجد من يصده فالذنب على من صده .
صفحة ١٠