لأن هذا السيد جمع الله له من صفات الإمامة ما قد لا يجتمع لغيره ، فهو إمام في العلم والعمل والدعوة إلى الخير ، برز ورأس في ذلك كله ، حتى اقتدت به ملايين من المؤمنين على مر السنين ونسبت نفسها إليه ، فإذا نظرت إلى بعده وبغضه للإمامة وما وصل إليه حال الناس في الاقتداء به عرفت أن الإمامة اصطفاء من الله لا فرق بينها وبين النبوة ، إلا أنها تكون نتيجة لكسب العبد من العلم والعمل ، وهذه رسالة لكل من جعل من نفسه أو غيره إماما دون أن يتلمح هذه المعاني ، فكم من رجل موصوف بالإمامة على الألسنة لكنه في الواقع والحقيقة مهمل من الاقتداء به ، ولا يلتفت إليه في أسوة ولا مشورة .
وخلاصة هذه النقطة أن الإمامة تحتاج إلى تسبب وهذا صحيح لكن مع ذلك قد يترأس الرجل في العلم والعمل ولا يكون إماما وهذا منظور ومشاهد ، أليس في تراجم العلماء السابقين رجال كثيرون موصوفون بالعلم والعمل ، فهل كان كلهم أئمة ؟
ثم في عصر الإمام أحمد مثلا كان ابن المديني وابن معين وابن راهوية وغيرهم من العلماء الجهابذة فهل كان كلهم في الإمامة مثل ابن حنبل ؟
الجواب : لا ، لأن جميعهم لم يكن لهم من الكمالات ما لأحمد رحمه الله ، على أنه لا يخلو أحدهم من أن يكون إماما في شيء معين ، غير أن كلامي في الإمامة المطلقة .
- - - - -
من وراء بروز الإمام ؟
لاشك أن الله تعالى تكفل لهذه الدين بالحفظ ، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ، ولكن الله تعالى لا ينزل أنبياء مصطفين ، إذ ختمت النبوة بمبعث النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما يهيىء الله تعالى أسبابا لظهور إمام أو أئمة يحملون هم الدعوة ، ويجددون ما اندرس من أحكام الملة ، ومن هؤلاء الأئمة المجددين : الإمام أحمد بن حنبل .
صفحة ٧