يحتمل أن يكون صلة راغبا: في أو عن، وعلى الأول يكون المعنى: لا ضيق عليه إذا سرى لأمر ما يريده، وعلى الثاني: يكون لا ضيق عليه إذا سرى تاركا أو كارها لأمر ما، وحذفه لذهاب نفس السامع إلى ما شاءت منهما (1)، كحذف الجار والمجرور في قوله تعالى: {وترغبون أن تنكحوهن} (2)، وقيد السرى بالرغبة والرهبة، لأن العاقل لا يرتكب مشقة الأسفار إلا لأحد هاتين، إذ السفر لا عن قصد مما يعد سفها وعبثا، بل يسمى من كان بهذه الصفة: راكب التعاسيف (3)، ولا يجوز له قصر الصلاة وجمعها عند أصحابنا الشافعية (4) سقى عهودهم صيب الرحمة.
تكملة:
يكفي الهجرة فخرا ما ورد عن ابن عباس (5) -رضي الله عنهما-: (موت الغريب شهادة) (6)، وأقول:" هذا مما يؤكد مشقة الغربة لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[أدخله في جملة الشهداء (7)، كالقتيل في سبيل الله تعالى، والمبطون، والمطعون، والغريق، والميت عشقا، والميتة طلقا، والمراد أن لكل من هؤلاء أجره، وليس يجري عليهم أحكامه: من عدم الغسل والصلاة عليه، وإنما هذا في حق من مات بقتال الكفار، أو أصابه سلاح مسلم خطأ، أو عاد عليه سلاحه، أو سقط عن فرسه ميتا، أو رمحته دابته، فمات، أو وجد قتيلا عند انكشاف الحرب ولم يعلم سبب قتله، سواء كان عليه أثر دم أم لا (8).
أما إذا مات حتف أنفه، أو بقتال الكفار بعده، أو من البغاة: فقولان في مذهب الشافعي- رضي الله عنه - فإن جرح في الحرب وبقيت فيه بعد انقضاء الحرب حياة مستقرة، فقولان أظهرهما أنه ليس بشهيد، وقيل: إن مات عن قريب: فقولان، وإن بقي أياما، فليس بشهيد قطعا.
صفحة ١٠٩