إن العلى حدثتني، وهي صادقة فيما تحدث إن العز في النقل وليس هذا التجريد هو المعبر عنه عند أرباب البلاغة، وهو أن يبالغ في صفة فيدعي أنه حصل من موصفها موصوف آخر حقيق بتلك الصفة، كقولك: رأيت من فلان أسدا يصول، والصائل إنما هو نفسه، وكقوله (1): [من الطويل]
وشوهاء تعدو بي إلى صارخ الوغى ... بمستلئم مثل البعير المرحل
بل المراد به هو ما عند الشعراء، وهو أن يجرد الشاعر من نفسه شخصا يسأله، يعذله، أو يلومه ونحو ذلك، أو يفنده، وأكثرهم على تجريد اثنين، فالأول كقول أبي فراس (2): [من الطويل]
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر ... أما للهوى نهي عليك ولا أمر
وكقول أبي نواس (3): [من البسيط]
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء
وكقول بعض شعراء المشارقة: (11و) [من الوافر]
علام وفيم ظلما تلحياني ... دعاني لا أبا لكما دعاني (4)
تتمة:
أتى بالقسم المدلول عليه باللام، لكونه فرض الشخص المجرد منكرا عليه كما هو مقتضى المقام، فإن قلت: لم عبر بسرى دون سار؟ قلت: لكونه من وظائف الليل، فإذا كان متأهبا للسفر في الليل فمن باب أولى أن يكون بالنهار (5).
تنبيه:
صفحة ١٠٨