وجاعلوه من المرسلين } (¬1) . وقال { ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } (¬2) وقال { ليجعل ما يلقي الشيطان } (¬3) وقال { يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة } (¬4) . وإذا كان الجعل المسند إليه تعالى يكون تارة بمعنى الخلق وأخرى بمعنى غيره في قوله تعالى { إنا جعلناه قرآنا عربيا } ما يدل على أن الجعل هنا بمعنى الخلق لم لا يجوز أن يكون الجعل هنا بمعنى التسمية والوصف، فيكون المعنى إنا سميناه قرآنا عربيا، فظهر أنه ليس في الآية حجة تدل على البيان الواضح الذي أدعيته .
قلنا : يمنع من تفسير جعل بسمي وجوه :
أحدها : أنه ليس المقصود بالآية الإخبار عن تسمية القرآن قرآنا عربيا ، وإنما المقصود من الآية الإخبار بأنه تعالى جعله على هذه اللغة التي يفهمها المخاطبون، إقامة للبرهان وإظهارا للإمتنان يدلك على ذلك قوله { لعلكم تعقلون } أي تعلمون .
وثانيها : أنه لو كان (جعل) في الآية بمعنى سمي لا ختل نظام الآية، إذ ليست التسمية علة يرجى معها حصول علمهم فظهر امتناع كون جعل بمعنى سمي في الآية .
وإن قلت : ليست هي بمعنى خلق وإنما هي بمعنى صير مثلا، قلنا لك: أنه يلزمك أن تسلم أن القرآن مجعول هدى يهدي به أهل التصديق لقوله تعالى { هدى للمتقين } (¬5) فانظر بعين عقلك ما معنى كونه مجعولا هدى ؟ أهو معنى: مخلوق . أم غير ذلك ؟
فإن قلت : لا، ولكنه بمعنى مصير هدى للمتقين فهو نظير قوله تعالى { أجعل هذا البلد آمنا } (¬6) { واجعلني مقيم الصلاة } (¬7) ولا شك أن البلد وإبراهيم موجودان قبل هذا الدعاء، فليس في وصفها بالجعل المسند إليه تعالى ما يدل على خلقهما بعد ذلك .
صفحة ١١٢