وأما مباينته »تعالى« لخلقه في أفعاله، فلأنه تعالى لا يشاركه أحد في فعله، وغيره قد يشارك فيه، ولأنه »تعالى« إذا أراد شيئا أنفعل له من غير محاولة ومزاولة، ولا كذلك فعل غيره .
وأما مباينته »تعالى« لخلقه في الوجدان أي الوجود، فلأن وجوده »تعالى« واجب، أي:ثابت عقلا ,ووجود غيره جائز أي قابل للبقاء والفناء ولأن وجوده تعالى أولي,أي سابق لم يتقدمه عدم ,ووجود غيره إنما كان بعد عدم .
وقوله وكذا الضرورة : دليل لمباينته »تعالى« لخلقه، أي مما يظطر العقل إلى القول به مباينة خالق الأشياء لها، لأنه لو كان مثلها لجاز عليه جميع ما يجوز عليها، ويجوز عليها أشياء يتعالى الرب عنها.
وقوله في الخلق : أي في الإيجاد .
وقوله والإمكان : أي جواز العدم ، ولسيت مباينة الله لخلقه محصورة في الخلق والإمكان لما تقدم، وإنما أقتصر المصنف عليها تمثيلا لا حصرا، وآثرهما بالتمثيل بهما على سائر صفات المخلوقات لمناسبتها غرضه، فان مقصوده بيان إثبات الخلق لجميع المخلوقات وبيان جواز العدم عليهما .
? الجعل بمعنى الخلق و (القرآن معجول) :
52 - وكذلكم أنا جعلناه لنا في خلقه من أوضح البرهان
53 - إن قللت جعل الله ليس بحجة في خلقه تهدي إلى البيان
54 - سلمت ان الله جاعله لنا نورا به يهدي أولي الإيمان
55 - فانظر أجعل الله للأشياء عي ن الخلق أو هو غيره يا شاني
56 - إن قلت خلق الله جعل كله أنصفت أو لا فأتني ببيان
أي ومثل قوله تعالى { خالق كل شيء } في الدلالة على خلق القران، قوله تعالى { إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون } (¬1) فان الجعل ها هنا بمعنى الخلق، فمعنى قوله { إنا جعلناه } إنا خلقناه، فكل مجعول مخلوق .
فإن قلت معارضا لنا : بأن الجعل المسند إليه »تعالى« ليس هو في جميع المواضع بمعنى الخلق، فقد ورد في القرآن منسندا إليه »تعالى« لا بذلك المعنى.
صفحة ١١١