أي دع عنك هذا المقال الذي لا أظنك تقول به، فإنه لا وجود في الأزل لغيره تعالى حتى يكون خالقا له مثلا - تعالى الله عن ذلك - فوجوده عز وجل قبل الزمان كله وقبل الأمكنة جميعها لأن الزمان والمكان مخلوقان له - تعالى - ولا يخفى وجوب تقدم الخالق على المخلوق. وإذا عرفت وجوب تقدم وجوده [ على الزمان والمكان يتبين لك وجوب تقدم وجوده ] (¬1) على كل شيء إنما وجد بعد وجود الزمان والمكان، فلا بد لكل مخلوق من مكان يحويه وزمان يوجد فيه، فثبت بهذا الدليل وجوب قدمه »عز وجل« ووجوب حدوث ما عداه.
*مباينته تعالى لخلقه :
50- فهو المباين خلقه في الذات والأوصاف والأفعال والوجدان
51- وكذا الضرورة خالق الأشياء ليس كمثلها في الخلق والإمكان
... أي فهو »تعالى« مخالف لخلقه في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله (¬2) وفي وجوده، لأنه هو الخالق لها والمخترع والصانع لها باختياره . والضرورة العقلية قاضية بأن خالق الأشياء لا يكون مثلها في صفاتها من كونها محدثة بعد عدم ومن كون وجودها ممكن العدم، وهكذا في ذواتها وسائر صفاتها .
أما مباينته »تعالى« لخلقه في الذات، فلأن ذاته العلية ليست مركبة من أجزاء كذات غيره، وليست متحيزة في حيز ولا متبعضة إلى أبعاض ولا هي متصلة بالأشياء ولا الأشياء متصلة بها، لأن الإتصال والإنفصال والتحيز والتبعض والتركب إنما هي من لوازم الجسمانية، والله »عز وجل« ليس بجسم، فلا يجوز أن يتصف بها » تعالى الله عن ذلك .
وأما مباينته لخلقه في صفاته فلأن صفاته »تعالى« ليست هي غيره، بل مدلولها عين ذاته وصفات غيره إنما هي غير ذواتهم، فسمعنا غير ذاتنا وبصرنا غير ذاتنا، وعلمنا غير ذاتنا وإرادتنا غير ذاتنا وقدرتنا غير ذاتنا وهكذا... فنحن نسمع بسمع ونبصر ببصر ونعلم بعلم ونريد بإرادة والله »تعالى« سميع بذاته وبصير بذاته وعليم بذاته ومريد بذاته وهكذا..
صفحة ١١٠