فالعقل إنما عرفه بسبب تأدية الحس البصري إليه، ولما كان تخصيص آية بلقيس بمجرد العقل، لم يسند التخصيص إلى الحس لكن أسنده إلى العقل، ففي إسناده التخصيص إلى الحس هنا تنبيه على سبب تأدية ذلك التخصيص إلى العقل .
وقوله إذ ظاهر للحس: تعليل لمدعاه .
وقوله ما لم يفن: أي الذي لم ينعدم ولم تدمره الريح .
وقوله والأعيان: جمع عين، والمراد بها الباصرة، وعطفها على الحس عطف تفسير . ويحتمل أن يريد بالحس مطلق الحواس الخمس فإنه ما من حاسة إلا ويدرك بها شيئا لم تدمره الريح، فيكون عطف الأعيان على الحس من باب عطف الخاص على العام، وفائدته التنبيه على أن حاسة البصر هي أكثر إدراكا لهذه الأشياء الموجودة ثم ظهر لي أن هذا الوجه هو الأظهر من كلام المصنف فينبغي أن يحمل عليه.
وقوله والعقل يأبى ثالثا: أي واللب يمنع موجودا ثالثا هو غير خالق وغير مخلوق .
وقوله غير مخلوق: أراد بالمخلوق جميع ما عدا الإله عز وجل فإن جميعها موجود بعد عدم .
وقوله وغير الخالق: أراد بالخالق هو الله عز وجل فإنه هو الموجد للأشياء .
وقوله المنان: أي الموصل النعم الكثيرة إلى خلقه، وآثر الوصف بالمنان هنا لمناسبته معنى الخالق، فإن المنان في معنى: الرازق، والخلق إنما خلقوا محتاجين، فالذي خلقهم أوصل إليهم النعم الكثيرة .
وقوله أيكون شيء: أي موجود لأنه قد تقدم أن الشيء يطلق على المعدوم أيضا، ولا يسمى المعدوم خالقا ولا مخلوقا، وإنما تطلق اسم الشيء نظرا إلى الإخبار عنه، فنقول مثلا: اجتماع الماء والنار شيء معدوم، وبحر من زئبق شيء معدوم، لأن المعدوم هو ماهية موجودة في الخارج، فتفطن لهذه النكتة تدر بها التحرز مما ألزمته الأشاعرة المعتزلة على قولهم أن المعدوم شيء وشنعوا عليهم لذلك .
وقوله هذا من البهتان: أي دعوى موجود غير خالق وغير مخلوق كذب وافتراء، فظهر من هنا بطلان القول بقدم ما عدا الخالق تعالى .
صفحة ١٠٧