إلا أنه لما كان بعض الأعضاء في طبعه سخيفا متخلخلا، وبعضها كثيفا متلززا، صار يرشح من بعضها ما يسيل إليه، ويحتبس في بعضها.
فإنك إن ملأت زقا، أو غيره مما هو في حاله من الكثافة، جوهرا رطبا، لم يسل منه شيء. فإن ملأت إسفنجا، أو غيره من الأشياء التي هي في حاله من التخلخل، جوهرا رطبا، سال منه علی المكان كل ما هو فيه فضل عما يحتمل. وما كان هكذا، فما يعسر أن يتفكروا فيه، فيعلموا كم فضل كثافة الجلد كله الذي علی سائر البدن علی الغشاء الذي علی العينين، وعلی المنخرين، وعلی الفم، فيقولوا إن السبب في سيلان ما يسيل من هذه الأعضاء، إذا تورمت، إنما هو طبيعتها، ويدعوا التركيب، والهذيان الطويل.
ومما يدل علی أن هذا كما وصفت الأورام التي تكون مع جرح في سائر الأعضاء. لأنه قد يسيل من تلك الأورام أيضا أرق ما فيها، كما يسيل من العينين، والمنخرين، والفم. فأما ما دام الجلد متصلا، لم ينهتك منه شيء، فسبب الاحتباس إنما هو منه، لا طبيعة الورم.
صفحة ٨٧