============================================================
والليل هو أحب الأوقات الى الصوفي، ينام منه البدن، وتهجع النقس، فتفتح الروح على عالم رحب وسيع، يغمر الصفاء والرضى ساكنيه وزواره:.
وفي نوم البدن يرتد الوعي عن عالم المحسوسات، ليعيش لحظات في عالم المنام ؛ وسواء اكان المنام هو ظهور اللاوعي أمام أعين الوعي، أو كان كشف عين البصيرة، لتقرأ ما هو مدون في غيب الأيام ، أو كان انفتاح خزانة الذاكرة في تركيبات جديدة أمام الوعي.. مهما كانت هوية المنام وحقيقته، فإنه يظل قسريا مفروضا على النائم ، ولا خيار له فيه ولكن عالم المنام ، لا تنقطع صلته بعالم اليقظة ، فالليل يتولد من النهار، ومن اتقى الله في يقظته حفظه في منامه . ومن هنا أهمية الرؤية الصادقة التي نوه بها رسول اللهت وها هو ابن عربي في معراجه الذي دونه في كتابه " الإسرا إلى المقام الأسرى"، يحملنا معه على أجنحة الصحبة، وعلى هجعة من الحواس، في منام يوقظ عالم نور وعرفان. منام يحيي حروفا تقادمت في النصوص، وتنتظر أن تولد في الوجدان .
ومعراج الصوفي - الولي، في رؤيا منامية، الى السموات السبع فما فوقها، وسماعه الخطاب الإهي دون أي تشريع ، هو أحد أنواع الرؤيا الصحيحة التي ذكرها علماؤنا ؛ يقول ابن قيم الجوزية (ت 751ه) : "والرؤيا الصحيحة أقسام : منها إلهام يلقيه الله سبحانه في قلب العبد، وهو كلام يكلم به الرب عبده في المنام ، كما قال غبادة بن الصامت وغيره . ومنها مثل يضربه له ملك الرؤيا الموكل بها . ومنها التقاء روح النائم بأرواح الموت من أهله وأقاربه وأصحابه ومتها عروج روحه إلى الله سبحانه وخطابها له ومنها دخول روحه إلى الجنة ومشاهدتها وغير ذلك . فالتقاء أرواح الأحياء والموق نوع من أنواع الرؤيا الصحيحة التي هي عند الناس من جنس المحسوسات "(35)، ويلمح هذا النص الى وجود معارج منامية لعباد وزهاد وعلياء مسلمين ولكن لم تصلنا، ربما لأنهم كتموها في الصمت والمشافهة فلم يحفظها لنا التدوين ، أسوة بمعراج آبي يزيد آو معارج ابن عربي (25) ابن قيم الجوزية كتاب الررح دار الكب العلمية بروت 1975. ص29.
صفحة ٣٢