(32) وقوم زعموا أن الألفاظ التي تدل عليها من حيث ينطوي فيها بالقوة المشار إليه ومن حيث المشار إليه موصوف بهابالقوة هي مشتقة من ألفاظها الدالة عليها من حيث هي منتزعة عن المشار إليه، وأن ألفاظها تلك هي المثالات الأول. وآخرون رأو اعكس ذلك. ولكل واحد من الفريقين موضع مقال. فإنها من حيث هي صفات المشار إليه والمشار إليه موصوف بها أحرى بأن تكون موجودة خارج النفس منها كلم - وهذه تسمى عند نحويي العرب " مصادر " وهي تصرف في الأزمان الثلاثة. وما كان من هذه تدل عليها من حيث ينطوي فيها المشار إليه الذي لا في موضوع فإنها كلها مشتقة. وقد توجد سائر المقولات منها ما ينطوي فيه المشار إليه الذي لا في موضوع وليس بمشتق من مصدر. فإذا أردنا أن نجعل له شكلا يقوم مقام المصدر، كان حينئذ المشكل بذلك الشكل أحرى أن يكون مأخوذا من اللفظ الذي ليس بمشتق من المصدر. وهذا بعينه نفعله في أسماء الأشياء التي تعرف في المشار إليه - من التي لا في الموضوع - ما هو، مثل " الإنسان " ، فإنا نقول " إنه إنسان ظاهر الإنسانية " و" رجل بين الرجولية " ، فيكون ذلك شبيها بقولنا " هو أبيض بين البياض " و" هو عالم تام العلم " ، فتكون " الإنسانية " مصدرا و" الرجولية " مصدرا أو قائما مقام المصدر. غير أنه بين أن مصدر المقولات الأخر إنما يدل عليها مفردة منتزعة من موضوعاتها التي تعرف منها ما هو خارج عن ذاتها.فإذا انتزعت عن تلك الموضوعات سائر المقولات في الذهن، بقيت الموضوعات موجودة معقولة، وكانت المفردة عنها معقولة مجردة بطبائعها وحدها غير مقترنة بغيرها.
(33) وينبغي أن ننظر في " الإنسانية " و" الرجولية " و" البنائية " وأشباه ذلك مما يجري مجرى المصادر، هل تدل على أشياء مفردة انتزعت عن موضوعات فأفردت عنها. فإن كانت كذلك، فما موضوع " الإنسانية " . فإن كان ذلك هو " الإنسان " فإن " الإنسان " إنما يدل على معنى انطوى فيه بالقوة موضوع. فمعنى " الإنسان " مركب من ذلك الموضوع ومن معنى ما من الموضوع لا يدل على ذاته، ويكون مجموعهما هو جملة معنى " الإنسان " - " حال البياض " من " الأبيض " - ، وتلك تكون حال كل ما يعرف من المشار إليه - الذي لا في الموضوع - ماهو. فيكون كل واحد منها مركبا من شيئين، أحدهما مثل " البياض " الآخر مثل الذي فيه " البياض " ، ومجموعهما " الأبيض " ، وهو مثل " الإنسان " . وكما أن " الأبيض " إنما ينطوي فيه موضوعه بالقوة، فياهل ترى " الإنسان " ينطوي فيه موضوعه بالقوة أيضا.
صفحة ٩