(34) وظاهر أن الموضوع غير المشار إليه الذي ينطوي في " الإنسان " بالقوة. لأن " الإنسان " هو معقول للمشار إليه ويعرف من المشار إليه ماهو، وأما هذا الموضوع فإن " الإنسان " يدل منه لا على ماهو. ونسبة هذا الموضوع من " الإنسان " كنسبة المشار إليه الذي لا في موضوع من " الأبيض " . ونسبة المشار إليه من " الإنسان " كنسبة المشار إليه الذي تحت " الأبيض " - وهو شخص " الأبيض " - مما هو أبيض، وهو الذي يعرف " الأبيض " منه ما هو بالفعل، إذ نقول إن " الإنسان " ينطوي فيه ذلك الموضوع بالفعل. ف " الإنسان " إذن مركب من شيئين بها قوامه. فبين أن الذي به قوام " الإنسان " والذي يدل عليه حده هو جنسه وفصله، أو شيئان أحدهما كالمادة والآخر كالصورة والخلقة؛ مثل " الأبيض " الذي " البياض " له مثل الصورة والفصل، والموضوع المشار إليه أو بعض أنواعه أو أجناسه كالمادة أو الجنس. غير أن " الأبيض " دلالته على " الأبيض " بالفعل ودلالته على الموضوع بالقوة، فهل " الإنسان " يدل على الذي هو له كالصورة أو كالفصل بالفعل ويدل على الذي هو كالمادة أو كالجنس بالقوة، أو دلالته عليهما بالفعل. فإن كان ذلك، ف " الإنسانية " التي منزلتها من " الإنسان " منزلة " البياض " من " الأبيض " ، ما هي منهما، هي المادة أو الصورة، أو هل هي الجنس أو الفصل. فإن كان " البياض " كالصورة أو الفصل، ف " الإنسانية " هي ماهيته التي هي الصورة أو الفصل مجردا دون المادة أو الجنس. فإذن " الإنسانية " هي إما مثل " الناطق " وحده وإما مثل " النطق " . فإذا كانت " الإنسانية " هي " النطق " مجردا عن " الناطق " ، و" الإنسان " هو " الناطق " ، ف " الناطق " ينطوي فيه " الحيوان بالقوة لا بالفعل. ف " الناطق " إذن لا يدل على ما هو " الإنسان " أكثر من أنه " حيوان " . فإذن أمثال هذه المصادر فيما تعرف ما هو المشار إليه إنما تصح دلالتها في كل ما كان منها مركبا إذا أفرد ما هو منه، مثل الصورة أو الفصل الذي لا يدل عليه باسم مشتق. وما لم يكن منقسما، وكان إما كالصورة لا في مادة أو مادة بلا صورة، فليس يمكن أن يجعل له مصدر. فإن جعل له مصدر كان ما يدل عليه المصدر والمشتق منه معنى واحدا لا غير. فقد تبين أيضا أن فصول ما يدل على ما هو هذا المشار إليه هي أيضا تعرف ما هو هذا الشيء.
(35) وعلى أن في سائر الألسنة سوى العربية مصادر ما تتصرف من الألفاظ وتجعل منها كلم على ضربين، ضرب مثل " العلم " في العربية وضرب مثل " الإنسانية " ، وبالجملة مثل مصادر ما لا يتصرف من الأشياء. فإن أهل " الإنسانية " ، وكذلك سائر الأسماء - مما تتصرف ومما لا تتصرف - يجعلون لها مصدر ا على هذه الجهة - أعني أنهم يقولون من المثلث " مثلثية " ومن المدور " مدورية " ومن الأبيض " أبيضية " ومن الأسود " أسودية " . على أنهم يقولون أيضا " التثليث " و" التدوير " و" البياض " و" السواد " .
صفحة ١٠