(6) والمقول فقد يعنى به ما كان ملفوظا به، كان دالا أوغير دال، فإن القول قد يعنى به على المعنى الأعم كل لفظ، كان دالا أو غير دال. وقد يعنى به ملفوظا به دالا، فإن القول قد يعنى به على المعنى الأخص كل لفظ دال، كان اسما أو كلمة أو أداة. وقد يعنى به مدلولا عليه بلفظ ما. وقد يعنى به محمولا على شيء ما. وقد يعنى به معقولا، فإن القول قد يدل على القول المركوز في النفس. وقد يعنى به محدودا، فإن الحدهو قول ما. وقد يعنى به مرسوما، فإن الرسم أيضا هو قول ما. وبهذه سميت المقولات مقولات، لأن كل واحد منها اجتمع فيه أن كان مدلولا عليه بلفظ، وكان محمولا على شيء ما مشار إليه محسوس - وكان أول معقول يحصل إنما يحصل معقول محسوس، وإن كانت توجد معقولات معقولات حاصلة لا محسوسات فذلك ليس بينا لنا منذ أول الأمر - ، وكانت أيضا مفردة والمفردة تتقدم المركبات.
الفصل الرابع:
المعقولات الثواني
(7) وأيضا فإن هذه المعقولات الكائنة في النفس عن المحسوسات إذا حصلت في النفس لحقها من حيث هي في النفس لواحق يصير بها بعضها جنسا، وبعضها نوعا، ومعرفا بعض ببعض. فإن المعنى الذي به صار جنسا أو نوعا - وهو أنه محمول على كثيرين - هو معنى يلحق المعقول منحيث هو في النفس. وكذلك الاضافات التي تلحقها من أن بعضها أخص من بعض أو أعم من بعض هي أيضا معان تلحقها من حيث هي في النفس. وكذلك تعريف بعضها ببعض هي أيضا أحوال وأمور تلحقها وهي في النفس. وكذلك قولنا فيها إنها " معلومة " وإنها " معقولة " هي اشياء تلحقها من حيث هي في النفس. وهذه التي تلحقها بعد أن تحصل في النفس هي أيضا أمور معقولة، لكنها ليست هي معقولة حاصلة في النفس على أنها مثالات محسوسات او تستند إلى محسوسات، أو معقولات أشياء خارج النفس، وهي تسمى المعقولات الثواني.
(8) وهي أيضا لايمتنع - إذا كانت معقولات - أن تعود عليها تلك الأحوال التي لحقت المعقولات الأول، فيلحقها ما يلحق الأول من أن تصير أيضا أنواعا وأجناسا ومعرفة بعضها ببعض وغير ذلك؛ حتى يصير العلم نفسه الذي هو لاحق للشيء إذا حصل في النفس أن يكون معلوما أيضا، والمعلوم أيضا نفسه يكون معلوما؛ ويصير المعقول معقولا أيضا، والمعقول أيضا معقولا والعلم الذي بمعنى العلم أيضا معلوما، وذلك لعلم آخر، وهكذا الى غير النهاية؛ حتى يكون للجنس أيضا جنس، ولذلك أيضا كذلك، إلى غير النهاية. وذلك على مثال ما توجد عليه الألفاظ التي توضع في الوضع الثاني، فإنها أيضا يلحقها ما يلحق الألفاظ التي في الوضع الأول من الإعراب. فيكون " الرفع " مثلا أيضا مرفوعا برفع، و" النصب " يكون أيضا منصوبا بنصب، ثم هكذا إلى غير النهاية.
(9) غير أن التي تمر إلى غير النهاية لما كانت كلها من نوع واحد صار حال الواحد منها هو حال الجميع وصار أي واحد منها أخذ هو بالحال التي يوجد عليها الآخر. فإذا كان ذلك كذلك فلا فرق بين الحال التي توجد للمعقول الأول وبين التي توجد للمعقول الثاني، كما لا فرق بين الرفع الذي يعرب به " زيد " و" الإنسان " الذي هو لفظ في الوضع الأول وبين الرفع الذي يعرب به لفظ الرفع الذي هو في الوضع الثاني، فالحال التي يكون عليها إعراب ما في الوضع الأول من الألفاظ، بتلك الحال يكون إعراب ما في الوضع الثاني منها.كذلك يوجد الأمر في المعقولات، فإنه بالحال التي توجد عليها المعقولات الأول في هذه اللواحق هي بعينها الحال التي توجد عليها المعقولات الثواني، فالذي يعمها من كل لا حق شيء واحد بعينه. فمعرفة ذلك الواحد هي معرفة الجميع، كانت متناهية أو غير متناهية، كما أن معرفة معنى " الإنسان " والذي يلحقه من حيث هو ذلك المعنى هي معرفة جميع الناس وجميع ما هو إنسان، كانوا متناهين أو غير متناهين.
صفحة ٢