(59) وما بالعرض والموجود بالعرض غير قولنا العرض على الإطلاق. فإن الذي هو بالعرض في شيء أو له أو عنده أو معه أو به أو منسوبا إليه بجهة ما هو أن لا يكون ولا في ماهية واحدة منها ينسب إليه تلك النسبة. فإن كان في ماهية أحدها أن يوجد له أو لأن ينسب إليه تلك النسبة قيل فيه إنه بالذات لا بالعرض. والعرض يقابله ما هو الشيء على الإطلاق، فإن كان يحمل على الشيء حما ما هو ولا يحمل أصلا عليه ولا على شيء آخر حملا يعرف به ما هو خارج عن ذاته، فإنه مقابل ما هو عرض. وكذلك ما هو على موضوع فقط يقابل ما هو بوجه ما في موضوع. وأما الذي هو بالعرض فإنما يقابل ما هو بالذات.
(60) والعارض غير العرض وغير ما بالعرض. فإن العارض يقال على كيفيات ما توجد في شيء ما إذا كانت قليلة المكث فيه سريعة الزوال، مثل الغضب وغيره. فما كان منها في الأجسام سميت عوارض جسمانية، وما كان منها في النفس سميت عوارض نفسانية. ولا يكادون يقولون ذلك فيما عدا الكيفية من المقولات. وأما الجمهور فإنهم يسمون بهذا الاسم كل ما كان قليل المكث سريع الزوال من سائر المقولات التسع، ويسمون العوارض " انفعالات " أيضا، فالنفسانية منها " انفعالات نفسانية " ، والجسمانية " انفعالات جسمانية " . وقد يلحق كل ما يقال إنه عوارض أن يكون عرضا، إذ كانت كيفية ما، والكيفية لا تعرف من المشار إليه الذي لا في موضوع ما هو، بل كيفية خارجة عن ذاته. إلا أن معنى العارض فيه غير معنى العرض. وقد يلحق كثيرامما يقال فيه أنه عارض أن يكون موجودا في شيء بالعرض. فيكون معنى أنه بالعرض غير أنه عارض وغير معنى أنه عرض.
(61) وكل ما هو بالعرض في شيء ما فإنه موجود فيه على الأقل.
وكل ماهو بالذات لا بالعرض فهو إما دائم فيه وإما في أكثر الأوقات. فلذلك يقول أرسطوطاليس " الذي بالعرض هو الذي يوجد لا دائما ولا على الأ كثر " . وكثيرا ما يسمى الذي بالعرض على المسامحة والتجوز " العرض " . والذي يعرف من المحمولات ماهو هذا المشار إليه الذي لا في موضوع يسمى أيضا الجوهر على الإطلاق. فصار هذا المعنى من معاني الجوهر مقابلا لمعنى العرض. فتكون المحمولات على المشار إليه الذي لا في موضوع منها ما هو جوهر ومنها ما هو عرض. فالعرض يقال على المقولات التسع التي ليس بواحدة منها تعرف ماهو هذا المشار إليه الذي لا في موضوع.
الفصل الثالث عشر:
الجوهر
(62) والجوهر عند الجمهور يقال على الأشياء المعدنية والحجارية التي هي عندهم بالوضع والاعتبار نفيسة، وهي التي يتباهون في اقتنائها ويغالون في أثمانها، مثل اليواقيت واللؤلؤ وما أشبهها، فإن هذه ليس فيها بالطبع ولا بحسب رتبة الموجودات جلالة في الوجود ولا كمال تستأهل بها في الطبع الإجلال والصيانة. والإنسان أيضا يستفيد الجمال عند الناس والكرامة والجلالة والتعظيم في اقتنائها، لا الجمال الجسماني ولا الجمال النفساني، سوى الوضع والاعتبار فقط، وأن لها ألوانا يعجبون بها فقط ويستحسنون منظرها فقط، وأنها قليلة الوجود. فلذلك يقولون في من عندهم من الناس نفيس ذو فضائل عندهم " إنه جوهر من الجواهر " . وقد يقال أيضا الجواهر على الحجارة التي إذا سبكت وعولجت بالنار حصل عنها ذهب وفضة أو حديد أو نحاس، فهي بوجه ما من مواد وهذه هيولاتها.
صفحة ١٩