(54) وقوم يزعمون أن المقولات اثنتان، ما هو هذا المشار إليه،
وعرضه؛ ويسمون ما هو هذا المشار إليه " لاجوهر " . فجعلوا المقولات اثنتين، الجوهر والعرض. وبين أن الجوهر على الإطلاق هو الذي ليس في موضوع، والعرض معناه هو الذي في موضوع. فكأنه قال المقولات اثنتان، إحداهما ذات الموضوع، والأخرى ما عرف ما هو خارج عن ذاته. وهذانأيضا رسمان ترسم الجوهر والعرض. ولكن ليس معنى العرض جنسا يعم التسعة، ولكنه إضافة ما لكل واحدة من هذه المقولات إلى المشار إليه. زنحن فليسنسمي المقولة ما كان جنسا يعم أنواع كل واحدة منالتي نسبتها إلى مشار مشار إليه هذه النسبة والتي لها هذه الإضافةإلى المشار إليه. وليس شيء منها جنسا ولا طبيعة معقولة توضف بها تلك الأنواع - نعني من حيث لحقها أن كانت لها هذه الإضافة. وكذلك قولنا " ما عرف ما هو هذا المشار إليه " يدل أيضا على إضافة لحقت كل واحد من أنواع هذا المشار إليه وأجناس أنواعه، وكذلك قولنا " مقولة " تعم أيضا جميعها، لا على أنها جنس لها، لكن إما على أنها اسم مشترك يعمها وإما أن تكون دالة على الإضافة التي لحقتها على العموم، وليس واحد منهما جنسا لها، لا الاسم المشترك لها ولا العرض اللاحق لها على العموم.
(55) وقوم ظنوا أنه قد قصر في عدد المقولات، وذكروا أن التأليف يحتاج في أن يحصل إلى اجتماع أشياء، وأن توضع بعضها من بعض على ترتيب محدود، وأن يكون لها رباط تربط به، فهو شيء مركب من مقولات عدة. والاجتماع هو إضافة ما، فجنسه أن توضع بعضها من بعض على ترتيب وارتباط محدود، فهو داخل تحت الوضع، فليس ينبغي أن يوضع جنسا عاليا ما هو بين أنه داخل تحت واحدة من هذه. فالوضع جنسه وباقي تلك فصوله. فإن كان إنما يريد بالتأليف تأليف ما ليس بمشار إليه أصلا على الحال التي ذكرنا، فليس يدخل في شيء من المقولات. لأن كل واحد إنما يقال له " مقولة " بالإضافة إلى المشار إليه، وما لم يكن معرفا أصلا لمشار إليه على الصفة التي قلنا فليس بداخل في المقولات.
الفصل الثاني عشر:
العرض
(56) العرض عند جمهور العرب يقال على كل ما كان نافعا في هذه الحياة الدنيا فقط؛ أما ما كان نافعا في الحياة الآخرة فقط، أو نافعا مشتركا يستعمل لأجل الحياة في الدنيا ويستعمل لأجل الحياة في الآخرة، فإنه لا يسمى عرضا. وقد يقال أيضا على كل ما سوى الدراهم والدنانير وما قام مقامهما من فلوس ونحاس أو دراهم حديد مما استعمل مكان الدراهم والدنانير. وقد يقال أيضا على كل ما توافت أسبابه كونه أو فساده القريبة - فإنه يقال فيه إنه يعرض كذا - أو أنه قريب من أن يوجد أو يتلف لحضور سبب ما له قريب لوجوده أو تلفه، أو لتخريب كثير لوجوده أو تلفه، أو لتخريب له كثير. وقد يقال أيضا على كل ما يقال عليه العارض، وهو كل حادث سريع الزوال.
(57) وأما في الفلسفة فإن العرض يقال على كل صفة وصف بها أمر ما ولم تكن الصفة محمولا حمل على الموضوع، أو لم يكن المحمول داخلا في ماهيته. وهذان ضربان، أحدهما عرض ذاتي والثاني عرض غير ذاتي . والعرض الذاتي هو الذي يكون موضوعه ماهيته أو جزء ماهيته، أو توجب ماهية موضوعه أن يوجد له على النحو الذي توجب ماهية أمر ما أن يوجد له عرض ما. فإن ذلك العرض إذا حد أخذ ذلك الأمر في حد العرض. فما كان من الأعراض هكذا فإنه يقال إنه عرض ذاتي . وغير الذاتي هو الذي لا يدخل موضوعه في شيء من ماهيته، وما هية موضوعه لا توجب أن يوجد له ذلك العرض. فهذا هو معنى العرض في الفلسفة.
(58) واسم العرض إنما يدل على صفات حالها هذا الحال، ولا معنى له غير هذا. وهو المقابل للعرض الذي قد يوجد في الأمر حينا ولا يوجد حينا. والذي يمكن أن يوجد في الشيء وأن لا يوجد ليس هو معنى العرض. فإن اسم العرض ليس يدل على الشيء من حيث له هذه الحال - أعني أن يوجد حينا وأن لا يوجد حينا - ولكنه شيء لحق بوجود الشيء عرضا. فإن العرض قد يكون دائم الوجود وقد يكون غير دائم الوجود، وليس يسمى عرضا لدوام وجوده ولا لسرعة زواله، بل معنى أنه عرض هة أنه لا يكون داخلا في ماهية موضوعه.
صفحة ١٨