(48) غير أنه قد يقول قائل في مثل قولنا " ثور زيد " و" غلام زيد " ما الذي يمنع أن تكون لها نسبتان، يوجد في إحدى النسبتين اسم كل واحد منهما الدال على ذاته، ولا يكون ذلك من المضاف، ويكون من المضاف إذا أخذ رسم كل واحد منهما الدال عليه من حيث له نوع ما من أنواع الإضافة. فإن كان ليس كذلك، بل كان هذا وأمثاله مضافا سومح في العبارة عنه. فكيف لم يكن قولنا " زيد في البيت " مضافا سومح في العبارة عنه، ولو وفى عبارته لقيل " زيد المحاط به في البيت المحيط به " ، ولبان حينئذ أنه من المضاف. وإذا كان قولنا " هذا الثور لزيد " و" هذا الكلام لزيد " لم تجعل له نسبتان نسبة ليست بإضافة ونسبة مدلول عليها بقولنا " هذا الثور المملوك مملوك لزيد المالك له " ، فيكون المنسوب بتلك النسبة الأولى التي ليست بإضافة تلحقه الإضافة من جهة أخرى، بل يجعل أيضا قولنا " هذا الثور لزيد " من أول الأمر مضافا سومح في العبارة عنه اتكالا على ما في ضمير السامع، وأنه ليس يفهم منه إلا أنه ملك لزيد؛ فكيف لم يجعل أيضا قولنا " زيد في البيت " من أول الأمر مضافا سومح في العبارة عنه اتكالا على ما في ضمير السامع، وأنه ليس يفهم منه إلا أنه محاط بالبيت، فيكون معنى حرف في منذ أول الأمر معنى الإحاطة.
(49) فنقول أن هذا صحيح - أعني أن يكون زيد محاطا بالبيت والبيت محيطابزيد، وأنهما يكونان مضافين متى أخذ اهكذا. غير أن ما تقال عليه النسبة ضربان، ضرب هو معنى واحد مشترك بين اثنين هما طرفاه يؤخذ كل واحد منهما مبدءا والآخر منتهى. وأحيانا يجعل هذا مبدءا أو ذاك منتهى، فيقال هذا بين اثنين، بل هو من أحدهما إلى الآخر فقط. فيكون أحدهما هو المبدأ دون الآخر، وذلك المنتهى دون الأول، وليس يمكن أن يؤخذ الآخر مبدءا بذلك المعنى بعينه، بل إنما يقال الأول بالقياس إلى الثاني فقط. وهذا هو الذي يسمى على الخصوص النسبة، وذاك يخص باسم الإضافة. فهذا الضرب إنما يوصف به أحدهما فقط، ويوجد له وحده على أنه محمول عليه دون الآخر، وإن كان ذلك الآخر يحدث معه ويكون جزءا مما يكمل به المحمول. فإن قولنا " زيد هو أبو عمرو " ف " أبو " يحدث معه " عمرو " على أنه جزء محمول، وقولنا " عمرو ابن زيد " ف " ابن " يحدث معه زيد على أن جزء محمول، فيكون كل واحد منهما موضوعا حينا وجزء محمول حينا إذا أخذا مضافين. وقولنا " زيدفي البيت " فإن " البيت " جزء محمول، ولا يمكننا أن نجعل " زيدا " جزء المحمول على البيت بالمعنى الذي قلنا في زيد إنه " في البيت " ، بل إذا قلنا " البيت ملك زيد " كان " زيد " حينئذ جزء المحمول بمعنى غير الأول. وهذا هو الذي يعم الأين ومتى وأن يكون له.
(50) وهذان الصنفان هما صنفا النسبة على أنها اسم مشترك، ولم يشترط فيه ما يخص كل واحد منهما، بل أخذ على الإطلاق، وهو النسبة التي تعمكل واحد منهما وتعم الأين ومتى وله. وإنما يختلف باختلاف الأجناس التي إليها تقع النسبة. وليس بعضه تحت بعض، فإنه لا المكان تحت الزمان ولا الزمان تحت المكان ولا اللباس تحت واحد منهما. فإن اللباس جسم موضوع حول جسم تكون النسبة إليه، والمكان ليس بجسم بل هو بسيط جسم ونهايته، والزمان أبعد من اللباس. وليس ينبغي أن يشككنا ما نجد من أن كل واحد من هذه الأشياء المنسوبة قد يمكننا أن نجعله من باب المضاف بأن تلحقه الإضافة، فإن الإضافة تلحق كل ما سواه من المقولات.
الفصل الحادي عشر:
النسبة وعدد المقولات
صفحة ١٦