(51) وقوم أنكروا أن يكون لها وجود أصلا وكذلك لكل نسبة. ولذلك قال أرسطوطاليسفي أول كتابه في " العلم المدني " : فأما الإضافة فقد يظن أنها إنما هي شرع وجور فقط. وأرادوا بذلك لضعف وجودها. وآخرون ينكرون أن تكون من المعقولات الأول، بل يجعلونها من المعقولات الثواني. وأرسطوطاليس يعتقد أن كثيرا منها في المعقولات الأول، ولذلك جعلها في المقولات. وقد يوجد كثير منها في المعقولات الثواني حتى أنها ما يلحقها أن تصير إلى غير النهاية - مثل أن يقال " إضافة الإضافة " و" نسبة النسبة " و" نسبة نسبة النسبة " - فاستعملت، وانقطع بها عدم التناهي؛ على مثال ما يعمل في سائر المعقولات الثواني، إذ كانت تصير غير متناهية. فإن كل ارتباط وكل وصلة بين شيئين اثنين محسوسين أو معقولين إنما تكون بإضافة أو نسبة ما. ولذلك إذا كانت النسبة والذي توجد له النسبة شيئين اثنينمحسوسين بينهما صلة، لم يكن بد من أن تكون نسبة ما، وذلك هكذا إلى غير النهاية.
(52) ثم قال قوم إنه غير موجود من أول أمره، إذ كان يلزم وضعه ما يظن أنه محال، وهو الجريان إلى غير النهاية. غير أن هذا الضرب مما هو غير متناه لم يتبين ببرهان بأنه محال ولا هو بين بنفسه أنه محال. وآخرون قالوا إن الواحد نسبته للأول، وباقي تلك ليست لها نسبة ولا هناك لها نسب. وبعضهم قطعوها بقدر شيئين. وقد بينا نحن كيف الوجه في الجري إلى غير النهاية في المعقولات الثواني.
(53) وقوم يسمون أصناف النسب كلها إضافة، ويجعلونها جنس يعم مقولات النسب. فتصير المقولات عندهم سبعة: ما هو هذا المشار إليه الذي لا في موضوع ولا على موضوع، وكم هو، وكيف هو، وما يعرف فيه أنه يفعل، وما يعرف فيه أنه ينفعل، ووضعه، وإضافته إلى شيء ما. وآخرون ادخلوا وضعه في الإضافة وأنه مضاف، فصيروا المقولات ستة. والوضع بين أنه ليس بمضاف بما هو وضع، وإن كان قد يعرض له ويلحقه أن يضاف إلى شيء، كما قد يعرض أن يضاف الإنسان إلى شيء وكما يعرض أن يكون الخط مضافا. غير أن من الوضع ما هو وضع بذاته ومنه ماهو وضع مضاف - على مثال ما توجد عليه أنواع ما هو أين، يكون أينا بذاته وأينا بالإضافة - ، فحينئذ يكون وضعا عند شيء. وأما أن يكون الوضع وضعا لشيء على أنه وضع عرض لموضوع، وكان بهذا مضافا، فهو مثل البياض الذي هو للأبيض، فإن هذا يوجد لكل عرض موجود في موضوع؛ فهو بهذه الجهة مما قد لحقه أن يكون مضافا، لا من جهة ما هو وضع. والوضع وإن كانت ماهيته لا يمكن أن تكمل إلا بنوع من الإضافة - إذ كانت إنما توجد أجزاء الجسم محاذية لأجزاء من المكان محدودة، والمحاذاة إضافة ما، فقد صار جزء ماهية الوضع نوعا من أنواع الإضافة - فليس يجب من أجل ذلك أن يكون تحت مقولة الإضافة، كما أن كثيرا مما هو كم هو متصل أو منفصل، والمتصل والمنفصل بما هي كذلك فهما مضافان، وليس الخط بما هو خط مضافا ولا المصمت. وآخرون يرون في أن يفعل أنه إنما يقال بالإضافة إلى أن ينفعل، فتحصل عندهم المقولات خمسة. وهذا أيضا وإن كانت ماهيته أو جزء ماهيته نسبة أو إضافة - فإن معنى أن يفعل هو أن تتبدل على الجسم النسب التي بها أجزاء ما يفعل - فليس يلزم من ذلك أن يكون تحت المضاف، كما أن الذي ينفعل في كيف ليس تحت مقولة كيف ، ولا الذي ينفعل في كم داخل تحت مقولة كم، فإنه ليس تبدل النسب على ما يفعل حين ما يفعل إلا كتبدل الكيف على ما ينفعل حين ما ينفعل. وآخرون يظنون أن معنى أن يفعل وأن ينفعل هو الفاعل والمفعول، ولما كان هذان من المضاف ظنوا أن المقولتين جميعا من المضاف، فتكون المقولات عندهم أربعة. وأمر هذين بين أنهما ليسا بفاعل ومفعول، على ما لخصنا مرارا كثيرة. وآخرون ظنوا أنهما فعل وانفعال، وقد بينا في مواضع كثيرة أنهما ليسا كذلك.
صفحة ١٧