العزيز المنزه . ويفسر ذلك في الكلمة الأيوبية، قال : وعلم أيوب أن في حبس النفس عن الشكوى إلى الله في رفع الضر مقاومة للقهر الإلهي، وهو جهل بالشخص إذا ابتلاه الله بما تتألم فيه نفسه، ولا يدع الله في إزالة ذلك الأمر المؤلم. فهذا جهل أيوب عليه السلام في صبره، وترك الشكوى إلى الله تعالى في أول. وكفى بمن جهل الأنبياء كفرا. قال : بل ينبغي له عند المحقق أن يتضرع ويسأل الله تعالى في إزالة ذلك عنه، فإن ذلك إزالة عن جناب الحق عند العارف صاحب الكشف، فإن الله قد وصف نفسه بأنه يؤذى، فقال : (إن الذين يؤذون الله ورسوله ) [الأحزاب : من الآية57]، وأي أذي أعظم من أن يبتليك ببلاء عند غفلتك عنه أو عن مقام إلهي لا تعلمه لترجع إلى الله بالشكوى، فيرفعه عنك، فيصح الافتقار الذي هو حقيقتك، فيرتفع عن الحق الأذى بسؤالك إياه في رفعه عنك إذ أنت صورته الظاهرة. فهل سمعتم - معاشر العقلاء - بمثل هذا الكلام في تجهيل الأنبياء، وفي أن الضرر إذا انكشف عن المبتلى إنما ينكشف عن الحق. ففهم من هاهنا ما قاله في الكلمة اليعقوبية: فقد علمت من يلتذ ومن يتألم.
صفحة ٦٤