وأي أمر حمل عليه اسم غير محصل فينبغي أن يؤخذ ذلك الأمر موجودا.
وأي أمر كان موجودا، وسلب عنه شيء، كانت قوة ذلك السلب قوة إيجاب معدول. فلا فرق في العبارة بين أن يجعل سلبا، أو إيجابا معدولا.
فإن اتفق في أمر ما موجود أن يسلب عنه شيء، ويكون موقعه في القول موقعا يمنع به القول أن يصير قياسا، مثل أن يقع في مكانه المقدمة الصغرى في الشكل الأول مثلا، فإن لنا أن نغير ذلك فنجعل لفظه لفظ إيجاب معدول، فيصحح القياس حينئذ.
فعلى هذه الجهة متى اتفق أن سألنا عن سقراط، وهو موجود: (هل هو حكيم؟)، فكان الجواب الصادق السلب، فإن لنا أن نأخذ أن سقراط لا حكيم، وإن كان مقصد المجيب السلب، لأن قوة السلب من الأمر الموجود قوة الإيجاب المعدول.
وإن كان الجواب بحرف (لا) عن المسئلة عن سقراط: (هل هو حكيم)، وسقراط غير موجود، فليس لنا أن نجعله معدولا بأن نقول: (سقراط لا حكيم)، بل نجعله سلبا، بأن نقول: (ليس سقراط حكيما)، أو (سقراط ليس يوجد حكيما).
وهذا الذي قلناه هو بحسب المعنى الأعم، وهو أصل عظيم الغناء في العلوم، وإغفاله عظيم المضرة، فينبغي أن نعني به، ونرتاض فيه.
وفي الألفاظ - التي تؤخذ أجزاء القضايا - ألفاظ تسمى الجهات.
والجهة هي اللفظة التي تقرن بمحمول القضية فتدل على كيفية وجود محمولها لموضوعها، وهي مثل قولنا: (ممكن)، و(ضروري)، و(محتمل)، و(ممتنع)، و(واجب)، و(قبيح)، (جميل)، و(ينبغي)، و(يجب)، و(يحتمل)، و(يمكن)، و(يمتنع)، وما أشبه ذلك.
وقد يكون ذلك في الثنائية، كقولنا: (زيد ينبغي أن يتكلم)، و(زيد يمكن أن يمشي)، و(القمر باضطرار ينكسف).
وقد يكون ذلك في الثلاثية، كقولنا: (زيد ينبغي أن يكون عادلا)، (عمرو ممكن أن يصير عالما)، و(القمر باضطرار يوجد منكسفا).
والقضايا التي تكون فيها جهات تسمى ذوات الجهات. وقد تكون منها موجبات وسوالب. والسلب إنما يحدث فيها: أما في الشخصية والمهملة منها فمتى رتب حرف السلب مع الجهة، وأما في ذوات الأسوار فمع السور، كقولنا: (زيد ينبغي أن يتكلم). سلبه المقابل له: (زيد ليس ينبغي أن يتكلم)، وقولنا (زيد ممكن أن يصير عالما) سلبه: (زيد ليس بممكن ان يصير عالما). وقولنا: (الإنسان يمكن أن يوجد عادلا)، سلبه: (الإنسان ليس يمكن أن يوجد عادلا).
وأما في ذوات الأسوار فإن قولنا: (كل إنسان يمكن أن يمشي)، يناقضه: (ليس كل إنسان يمكن أن يمشي)، ويضاده: (ولا إنسان واحد يمكن أن يمشي).
وكذلك في الثلاثية: فإن قولنا: (كل إنسان يمكن أن يوجد عادلا)، يناقضه: (ليس كل إنسان يمكن أن يوجد عادلا)، ويضاده قولنا: (ولا إنسان واحد يمكن أن يوجد عادلا).
وقد يكون في ذوات الجهة قضايا بسيطة ومعدولات. فالموجبة البسيطة في الشخصية والمهملة منها تكون بأن لا يرتب حرف السلب لا مع المحمول، ولا مع الكلمة الوجودية، ولا مع الجهة. وتحدث السالبة البسيطة بأن يرتب حرف السلب مع الجهة فقط. وتحدث الموجبة المعدولة في الثلاثية بأحد ثلاثة أنحاء: إما بأن يرتب حرف السلب مع المحمول فقط، وإما مع الكلمة الوجودية فقط، وإما معهما جميعا. ولا يرتب مع الجهة.
ويحدث في الثنائية بأن يرتب حرف السلب مع المحمول فقط.
ومثالات ذلك: أما في الثلاثية، فكقولنا: (زيد ينبغي أن يوجد لا عالما)، (زيد ينبغي أن لا يوجد عالما) (زيد ينبغي أن لا يوجد لا عالما). والثنائية، فكقولنا: (زيد ينبغي أن لا يمشي)
والسوالب المعدولة المقابلة لكل واحد من هذه الأنحاء
تحدث بأن يرتب في كل ضرب منها حرف السلب مع الجهة.
أما في الثنائية، فإن قولنا: (زيد يمكن أن لا يمشي) يقابله: (زيد ليس يمكن أن لا يمشي).
وأما في الثلاثية، فقولنا: (زيد يمكن أن يوجد لا عالما)، يقابله: (زيد ليس يمكن أن يوجد لا عالما). وقولنا (زيد يمكن أن لا يوجد عالما)، يقابله: (زيد ليس يمكن أن لا يوجد لا عالما).
وكذلك في القضايا المهملة ذوات الجهات.
وأما في ذوات الأسوار فإن الموجية البسيطة تحدث بأن لا يقرن حرف السلب لا بالسور، ولا بالمحمول، ولا بالكلمة الوجودية، ولا بالجهة.
صفحة ١٠