وأما التي على القطر فليس تناسبهما تناسب تلك. لأن هذه إذا كانت المقابلات فيها معملة وجزئية وكانت هذه يمكن أن تصدق معا لم يمتنع أن تصدق معا الموجبة البسيطة والموجبة العدمية اللتان على أحد القطرين، وكذلك السالبة البسيطة والسالبة العدمية اللتان على القطر الآخر. فتكون حال كل معدولة من البسيطة التي تقاطرها هذه الحال. وأما قولنا:
كل إنسان يوجد عالما ... ليس كل إنسان يوجد عالما
ليس كل إنسان يوجد جاهلا ... كل إنسان يوجد جاهلا
ليس كل إنسان يوجد لا عالما ... كل إنسان يوجد عالما
فإن تناسب ما على الأضلاع منها هو مثل ما تقدم.
وأما المتقاطرة منها فإن الموجية العدمية والموجبة البسيطة قد تكذبان: إما على الأطفال، وإما على الكهول، لأن قوتهما قوة المتضادتين في هذه المادة، وهي ممكنة. وأما إذا كان موضوعاهما غير موجودين، فعند ذلك تصدق معا السالبة العدمية المتقاطرتان. ولكن إذا صدقت إحدى الموجبتين المتقاطرتين، أيهما اتفق، كذبت الأخرى لا محالة. وكانت تلك حال نقيضتيهما المتقاطرتين. وإذا كذبت احدى السالبتين المتقاطرتين صدق نقيضهما لا محالة وهو احدى الموجبتين المتقاطرتين، فتكذب لأجل ذلك الموجبة المقاطرة لها، فيكون نقيضها صادقا. فلذلك إذا كذبت احدى السالبتين المتقاطرتين صدقت الأخرى لا محالة. وإذا أخذت احداهما صادقة، لم يلزم ضرورة أن تكذب الأخرى، بل يمكن ان تصدقا معا.
وقولنا:
إنسان ما يوجد عالما ... ولا إنسان واحد يوجد عالما
ولا إنسان واحد يوجد جاهلا ... إنسان ما يوجد جاهلا
ولا إنسان واحد يوجد لا عالما ... إنسان ما يوجد لا عالما
تناسب ما على الأضلاع منها هو مثل ما تقدم.
وأما المتقاطرة منها فإن الموجبتين المتقاطرتين قد تكذبان على الأطفال، وعندها يصدق نقيضاهما المتقاطران، وقد تصدق الموجبتان أيضا على الكهول، لأنهما جزئيتان، وعندها تكذب السالبتان المتقاطرتين اللتان هما نقيضتاهما. وحال كل واحدة من المعدولتين عند البسيطة المقاطرة لها كحال العدمية التي فوق تلك المعدولة عند تلك البسيطة بعينها.
فهذه معاني الأسماء غير المحصلة في الأشياء التي لها عدم. وهذه نسبة المعدولات إلى البسائط في القضايا الممكنة.
وقد تستعمل الأسماء المحصلة على معان
هي أعم من هذه التي ذكرناها، وذلك أنه قد يجعل معناه رفع الشيء عن موضوع، شأنه في وقت ما، أو شأن نوعه، أو شأن جنسه أن يوجد له ذلك الشيء. وعلى هذه الجهة يقال في المرأة والصبى إنه (لا ملتح) وفي الفرس إنه ( لا ناطق)، فيقام ذلك مقام عدم الشيء، وتجعل القضية التي محمولها اسم غير محصل دال على هذا المعنى موجية معدولة أيضا، ويفرق بينها وبين السلب بأن يجعل السلب رفع الشيء عن أي موضوع اتفق، محدودا كان أو غير محدود، موجودا كان أو غير موجود، ويجعل لفظها لفظ المعدولات التي في القضايا الممكنة، كقولنا: (الحيوان إما ناطق وإما لا ناطق). فإن: (لا ناطق) ليس بسلب، ولكنه اسم غير محصل. ويستعمل أيضا على جهة أعم من هذه وهو رفع الشيء عن موضوع يؤخذ موجودا، وغن لم يكن من شأن.
الشيء المرفوع أن يوجد في ذلك الموضوع. ويفرق بينه وبين سلب ذلك الشيء بأن يكون سلبه رفعه عن أي أمر اتفق، موجودا كان أو غير موجود.
وعلى هذه الجهة يوصف الله عزوجل بالأسماء غير المحصلة.
وعلى هذه الجهة قال أرسطوطاليس في السماءإنها لا خفيفة ولا ثقيلة. فإن هذا القول إيجاب معدول، وليس بسلب.
فهذه ثلثة معان للأسماء المحصلة: فالأول معناه معنى العدم، والثاني أعم منه: وهو رفع الشيء عن أمر موجود، شأن الشيء الذي رفع هنه أن يوجد فيه أو في نوعه، أو في جنسه، إما باضطرار، وإما بإمكان، كقولنا: (عدد لا زوج) فإنه إيجاب معدول، وهو رفع الزوج عما شأنه، أو شأن بعضه، أن يكون باضطرار زوجا. والثالث أعم من هذا أيضا: وهو رفع الشيء عن أمر ما موجود، وإن لم يكن من شأن الشيء أن يوجد فيه، لا في بعضه، ولا في كله، كقولنا في الإله: إنه لا مائت، ولا بال.
صفحة ٩