لما تم لفيضي الاستيلاء على حصن الظفير بعد انسحاب أصحاب الإمام عن كل القضوات التي كان يحكمها الأتراك تجبر وتكبر وظن أنه ليس في الإمكان انهزامه وعسكره من أي مكان، فجمع الجنود الكثيرة من القضوات والبلدان. وسار في يوم سلخ شعبان من صنعاء يريد مدينة شهارة على مسافة أربعة أيام شمالا إلى الغرب من صنعاء ومعه نحو تسعين ألف مقاتل من عساكر الأتراك وجموع كثيرة من الفرسان والخيول والبغال والمدافع المهيلة، وأفصح في يوم خروجه من صنعاء لمن سار من أعيان صنعاء لتوديعه أنه سيعزم لتدمير البلاد الحاشدية وإخراب ديار أهلها وديار الإمام ومن لديه ثم يعود لمعاقبة أهل صنعاء وبلادها حيث الإمام ومقادمته وأجناده من صنعاء، وسار إلى عمران ثم إلى مدينة خمر، وقد انتقل الإمام عنها إلى وادعة القاسم، فوصلت عقال بني صريم وغيرها من القبائل الحاشدية إلى فيضي خاضعة، فزاد ذلك في غروره وسار إلى وادعة وتفرقوا، وكانت مناوشة حرب هنالك لا تشفى حتى وصل الأتراك إلى بعض جبل سيران من محل الخرطوم وجهاته إلى سوق الثلوث ونحوه، والتقاهم الطاغية يوسف باشا في جموعه من الأتراك، وصعد أحمد فيضي في بعض الجنود والمدافع إلى جبل العيازرة المقابل لمدينة شهارة، وبعض الأتراك إلى جبل بريم، ويوسف باشا إلى بعض الكهوف، وقربوا من شهارة ليرموها بمدافعهم. وكان الإمام قد أعد في مدينة شهارة جماعة من السادات والعلماء والرؤساء. منهم عاملها السيد العلامة محمد بن أحمد الشامي والقاضي العلامة عبد الوهاب بن محمد المجاهد الشماخي والسيد الغضنفر عبد الله بن يحيى أبو منصر والسيد العلامة يحيى بن علي الذاري والسيد الهمام يحيى بن ناصر شيبان والشيخ نصير الدين علي المقداد الآنسي وغيرهم من قبائل خارف الحاشدية والأهنوم وبلاد الشرف والحيمة وبني الحارث وبني حشيش ونحوهم ولديهم بعض المدافع وثلاثة من الطوبجية رئيسهم أحمد آغا التركي وهو من المخلصين للإمام، وأعد بجبل شهارة الفيش المرتفع على جبل شهارة الأمير والمتصل به السيد العلامة أحمد بن عبد الله بن أحمد الكبسي الصنعاني والنقيب عبد الله ابن سعيد الجبري الخولاني في جماعة من قبائل خولان الطيال وآنس وغيرها. واستعرت نار الحروب، وتابع الأتراك رميهم بمدافعهم إلى مراتب ودور شهارة، ومنها المدفع الهاون تصعد قذيفته علوا ثم تنزل إلى المحل المقصود، فقابلهم أحمد أغا بالرمي ببعض المدافع الإمامية فأذاقهم أشد العذاب، ودام الحرب، ودبت الأتراك مرارا نحو شهارة ورجعوا، ثم صعدوا إلى شرطة لقمان، فكانت بها معركة عظيمة قتل فيها جماعة من الأتراك. وكان السيد العلامة يحيى بن حسن الكحلاني قد جمع جيشا من بلاد حجور وما إليها وأوقع بعصابة من الأتراك في سوق الدومة كانت بمعية حمولة كثيرة من الأرزاق والأقوات التي للأتراك، فاستولى على جميعها العرب حتى غنى المفلس من المجاهدين الناهبين لها. وكانت أول ضربة لفيضي وهو بالعيازرة لاغتنام المجاهدين العرب تلك الأرزاق الكثيرة من سوق الدومة.
وتتابعت الحروب في ضواحي شهارة وجبالها وكثر خوف الناس وظن بل قطع الكثير منهم بأن الأتراك ستأخذها، وأقبل الكثير من المؤمنين في شهارة وغيرها على الدعاء والإلتجاء إلى الله في ليالي شهر رمضان خشية أن يتم بأخذ الأتراك الاستئصال لهذه الراية العلوية، واضطهاد الأتراك لعموم البلاد اليمنية.
آن لأهل العقول النظر في العواقب
في يوم عيد الإفطار من هذا العام خطب خطيب مقام الإمام القاضي حسين العرشي في إيقاظ الناس وتحريضهم على الجهاد ودفع الأتراك عن شهارة وعن تدمير البلاد خطبة منها قوله:
صفحة ٣٥