[أئمة اليمن الاحتياط]
صفحة ٢
أمير المؤمنين المتوكل على الله الإمام الشهيد يحيى بن أمير المؤمنين المنصور بالله محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى حميد الدين بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن الحسين بن الإمام القاسم بن محمد الحسني. مولده بصنعاء غرة ربيع الأول سنة 1286 للهجرة.
وأخذ عن أبيه الإمام المنصور وعن المولى الجهبذ أحمد بن عبد الله الجنداري الصنعاني، والمولى شيخ الإسلام علي بن علي اليماني، والقاضي محمد بن أحمد الغراسي الصنعاني، والسيد زيد بن أحمد بن زيد الكبسي، والسيد محمد بن علي بن محمد الجديري، والفقيه عبد الرزاق بن محسن الرقيحي، والقاضي محمد بن أحمد حميد الصنعاني، والقاضي محمد بن عبد الملك الآنسي، والقاضي محمد بن محمد بن إسماعيل جغمان، والفقيه إسماعيل بن علي الريمي الصنعاني، والقاضي محمد بن سعد الشرفي.
وأخذ بجبل الأهنوم عن القاضي أحمد بن عبد الله الجنداري، والفقيه الإمام لطف بن محمد شاكر والقاضي عبد الله بن أحمد المجاهد الشماحي الذماري.
واستجاز عن شيخيه الجنداري واليماني، ومن القاضي علي بن الحسين المغربي الصنعاني، والقاضي الحسين بن علي العمري والقاضي محمد بن عبد الله بن علي الغالبي الضحياني، وصنوه إبراهيم بن عبد الله والقاضي سعد بن محمد الشرفي.
وحرر سؤالا نحويا وهو في بضعة عشر سنة إلى شيخه القاضي محمد بن عبد الملك الآنسي فقال:
أيا فاضلا ما زال في العلم بارعا ... إماما لديه مشكل النحو واضح لقد سمع المملوك بيتين فيهما ... سؤال لأرباب الجهالة فاضح[1]
صفحة ٣
لنا إبل ما روعتها الصفائح ... ولا نفرتها بالصياح الصوائح
إذا سمعت أضيافنا من رعاتها ... أتين سراعا يبتدرن الذبائح
فما مقتضى رفع (الذبائح) فيهما ... ووجه وجوب النصب في الحال واضح
أجب عن سؤالي واغتنم أجر سائل ... له في صفات الفاضلين مدائح
وقد أعجب المسئول بهذا السؤال في حينه، وتوهم أن السائل نقله وهو لغيره كما رأيت ذلك بخط المجيب. وقال في جوابه:
أتاني سؤال صاغه ذو بلاغة ... وعلم وفهم بالنظام يطارح
يسائل عن وجه ارتفاع الذبائح ... ببيت لوصف النوق والضيف لائح
إذا سمعت أضيافنا من رعاتها ... أتين سراعا يبتدرن الذبائح
فيظهر لي فيه ثلاثة أوجه ... لها عند أعلام النحاة مسارح
فأولها بالرفع فاعل قوله ... (إذا سمعت) فافهم وذا القول راجح
وقل بدلا من فاعل الفعل قبله ... وفي آية النجوى لذا القول شارح
وثالثها ما قيل في رفع ضارع ... من الشاهد المشهور بيت الطوايح
بتقدير فعل في إجابة سائل ... ولكن ذا وجه به الضعف واضح
وذلك أن الفعل منه مغير ... فتقدير فعل فيه لا شك صالح
فهذا الذي عندي ولم أر ناقلا ... مقالا لغيري فاعذروني وسامحوا
فإن كان حقا فالمراد وإن خطا ... فإني في بحر من الجهل سابح
صفحة ٤
وكان من نبلاء صنعاء الذين أجابوا في نحو سنة 1306ه على سؤال القاضي محمد عبد الملك في شأن تفضيل رؤية الزهر على رؤية الخضرة في أيام الربيع أو العكس، وفي جوابه تفضيل رؤية الزهر. وكانت هجرته مع والده عن صنعاء إلى صعدة في شوال سنة 1307ه وسار سنة 1309ه إلى جبل برط مع عائلة الإمام المنصور ثم رجع إلى والده[2] وانتقل سنة 1310ه إلى جبل الأهنوم للدرس والتدريس، وعقيب وفاة والده استدعى علماء بلاد الأهنوم وغيرها إلى حصن النواش بقفلة عذر الحاشدية ومنهم المولى لطف بن محمد شاكر، والمولى أحمد بن عبد الله الجنداري ، والمولى سيف الإسلام أحمد بن قاسم حميد الدين, والسيد لطف بن علي ساري الحوثي الحسيني، والسيد الحسين بن إسماعيل الشامي والقاضي عبد الله بن علي الإرياني، والقاضي عبد الوهاب بن محمد المجاهد الشماحي، والقاضي محمد بن أحمد حميد الصنعاني، والسيد عبد الرحمن بن حسين الشامي، والقاضي يحيى بن حسن نصار، والقاضي الحسن بن علي العريض الروضي، وغيرهم، وأخبرهم بوفاة والده الإمام المنصور، فتولى كتابة البيعة له بالإمامة سيف الإسلام أحمد بن قاسم حميد الدين، فأعلن دعوته في يوم الجمعة عشرين ربيع الأول سنة 1322ه، وتلقب بالمتوكل على الله رب العالمين.
صفحة ٥
رسالة دعوته وإعلان خبر وفاة والده
مصاب أصاب المسلمين كبير ... فكل مصاب دون ذاك يسير
ورزء أصاب الدين بعد كماله ... فظهر الهدى والحق منه كسير
فيالك خطبا فادحا أذهل النهى ... وفي الجوف منه أنة وزفير
وفي القلب نار ليس يطفى لهيبها ... بلى دائما يزداد منه سعير
لقد بكت الأملاك والأرض والسما ... وكادت رواسي الشامخات تسير
فيا بدر لا تطلع ويا شمس فارجعي ... ويا فلك الأفلاك كيف تدور
وقد هد ركن الدين والعلم والتقى ... وكاد عباب المكرمات يغور
لموت أمير المؤمنين وكهفهم ... ومن هو ردء للهدى ونصير
أقول لقوم يحملون سريره ... وهل يسع الطود المنيف سرير
رويدكمو يا حاملين لنعشه ... ففي نعشه بحر الكمال يمور
سلام على الدنيا وهجر لأهلها ... فلم يبق في ورد الأنام نمير[3]
أبعد إمام المسلمين وغوثهم ... نلذ بعيش أو يكون سرور
لقد كان ركنا للضعيف وملجأ ... يريش الذي ينتابه ويجير
وكان على ذي الجور سيفا مهندا ... يصول عليهم بالردا ويدور
فكم ظالم للناس قد صار عبرة ... وكم جائر ناواه فهو عفير
وكم واقعات صارت الروم عندها ... تقول لويل حاضر وثبور
ولو رمت أن تحصي خصال كماله ... عجزت وعاد الطرف وهو حسير فيا شامتا ما الله عنك بغافل ... وإن لظى للظالمين مصير
صفحة ٦
عسى الله يوما أن يمن بكرة ... عليهم فتشفى غلة وصدور
وقل للذي يبغي الغوائل للهدى ... رويدك أنى للبغاة نذير
ولا بد لي ما عشت من شن غارة ... على إثر أخرى للعداة تبير
فهل ينفع الفجار موت إمامنا ... على أنه ينهد منه ثبير
فليس إمام الحق أول ميت ... فكم مات قدما مرسل وبشير
على أنه في الخلد جاور ربه ... فدار ورب واسع وغفور
ويا راحلا عنا يعز فراقه ... إلى الله رب العالمين نصير
عليك سلام الله غير مفارق ... له في فراديس الجنان قصور
نحمدك يا من سبق كونه الأكوان، وشمل علم ما سيكون وما قد كان، تفرد بالبقاء وانفرد بالعز والكبرياء، قضى بحكمه بأن كل ما سواه فان، وسبق علمه بعموم الموت على جميع الإنس والجان، فلم يبق ذي شرف أصيل، ولا صاحب قدر جليل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا شبيه له ولا مثيل، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المؤيد بالتنزيل، صلى الله عليه وعلى آله المخصوصين بالتعظيم والتبجيل.
أما بعد:
صفحة ٧
فصدورها مخبرة بالخطب المهول والفادح القادح في القلوب نار الحزن [4] والكارث الذي أظلمت له جميع أقطار اليمن، وهو ما اختاره الله وارتضاه لوالدنا أمير المؤمنين وسيد المسلمين المنصور بالله رب العالمين، تغمده الله بجميل رضوانه، وأسكنه فسيح جنانه، من الانتقال عن دار الأكدار والأحزان إلى كريم جواره، بأعلى غرف الجنان بعد أن جاهد في الله حق جهاده، وأقام أحكام الله في عباده وبلاده، وجدد الدين، وأذل الظلمة المعتدين، وبعد أن جرع الغصص زمر الفاسدين. نقله الله وألحقه بالأئمة السابقين، وقد أصبحت العيون بالدموع هامية والجفون من بعده دامية، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم اجزه عنا وعمن شايعه وبايعه من أهل زمانه أفضل ما جازيت إماما عن أهل زمانه.
وكانت وفاته رضي الله عنه في الليلة التي أسفرت بصبح الخميس 19 ربيع الأول سنة 1322ه.
وفي اليوم الثاني حضر العلماء الأعلام والسادات الفخام، إلى هذا المقام، ولما رأوا من أهم الواجبات نصب من يصلح للقيام بما يكون فيه صلاح المسلمين والإسلام، عولوا علينا ووجهوا خطابهم إلينا وألزمونا الحجة وتحتم القيام بهذا المنصب الشريف، وتحمل تلك الأعباء التي فيها شاق التكليف. فلم نجد بدا من الإسعاد. فتوكلنا على الله في الإصدار والإيراد، سائلين من بيده الحول والقوة أن يمدنا بعزيز النصر والإمداد، وأن يصلح بسعينا العباد والبلاد.
وإنا قد نشرنا في ذلك اليوم الدعوة الميمونة التي هي بالخيرات مقرونة، فنلزمكم أيها المؤمنون والشيعة المودون بما افترضه الله عليكم من السمع والطاعة والنصح والسلوك مسلك الجماعة وبذل الجد والاجتهاد، والمسارعة إلى فريضة الجهاد، وتطهير أرض الله ممن يبغي في الأرض الفساد، {وإلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد} وحسبنا الله ونعم الوكيل، ومن وصل والدنا بشيء من القرآن والدعاء فله ثواب ذلك فطال، ما نصح العباد وحمى الشريعة بالجد والاجتهاد حتى أتاه اليقين. والله الموفق إلى ما فيه رضاه، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
صفحة ٨
في عشرين ربيع الأول سنة 1322ه.
فكان لانتشار خبر وفاة والده ومبايعته بالإمامة بعده صدى عظيم في عموم اليمن[5].
وبعد دعوته بستة أيام قام في المزار من بلاد صعدة السيد الحسن بن يحيى الضحياني المؤيدي وتلقب بالهادي، فتابعه بعض العقال والعرفاء من أهل جهة صعدة.
ولم يهتم الكثير من العلماء والكملاء الخبراء بتلك الدعوة وسارع الجموع من ألوف اليمنيين إلى إجابة دعوة المتوكل على الله والمسارعة للجهاد تحت رايته، وبعد أخذه القواعد والضوابط على أعيان ورؤساء القبائل في شروط الجهاد وصون ضعفاء البلاد عن السلب والنهب والإفساد، وما الذي يكون خمسه من الغنائم للمجاهدين وأن تكون مدافع الأتراك ونحوها خاصة ببيت المال.
صفحة ٩
كان تجهيزه السيد القائد الكبير يحيى بن حسن الكحلاني الأهنومي في نحو ثلاثمائة من القادة والمجاهدين إلى بلاد شبام كوكبان ومنه إلى بلاد الحيمة، ثم أتبعه بالسيد القائد الشهير الحسين بن إسماعيل الشامي إلى بلاد بني مطر وحضور غربا من صنعاء. والمولى الجهبذ الكبير أحمد بن قاسم حميد الدين في جماعة إلى روضة صنعاء وشمالها. والسيد يحيى بن محمد المدايري، والشيخ نصير الدين علي المقداد الآنسي إلى بلاد سنحان وبلاد جهران، والسيد شرف الدين ابن الإمام الهادي، والقاضي حسن بن علي العريض الروضي إلى بلاد ذمار، والسيد محمد بن أحمد الشامي عامل شهارة إلى بلاد ذمار ويريم وما إليها، والسيد محمد بن محمد بن إسماعيل الكبسي إلى بلاد عتمة من قضاء آنس، والسيد عبد الله بن إبراهيم بن أحمد ابن الإمام إلى بلاد بعدان وقضاء إب وغيره جنوبا من صنعاء، والسيد عبد الله بن يحيى أبو منصر إلى حجة، وبلادها وغيرهم من القواد إلى روضة صنعاء والجراف وشعوب وغيرهم إلى بلاد المحويت وغيرها.
وكان انتقال جلالته من القفلة إلى مدينة حوث ثم مدينة خمر من حاشد، وأدار حركات القواد والمقادمة بأكمل وأجمل صورة في جميع الجهات:
ولاحظته من إله الناس ... عناية جلت عن القياس
واستفتح البلدان والحصونا ... واغتنم الأموال والمصونا[7] فتوح عام دعوته
صفحة ١٠
للمولى الجهبذ الكبير شيخ الشيوخ أحمد بن عبد الله الجنداري الصنعاني ثم الأهنومي قصيدة عامرة شاملة فتوحات الإمام لبعض هذا العام أثبتها في كتابه (الدرر المنتقاة من سيرة الإمام المتوكل على الله) وفي كتابه (الجامع الوجيز الوافي بوفيات العلماء ذوي التبريز) ومنها قوله رضي الله عنه:
فشمر في شوال عن ذيل همة ... إلى حوث أرض السادة القادة الغر
وجهز يحيى قبل ذاك لحيمة ... ونحو حراز والطريق إلى البحر
تناوش يحيى والأعاجم تارة ... وأخرى فثار الناس في السهل والوعر
بنو مطر قامت قيامتهم على ... معاقل كانت في طريق ذوي السفر
وفيهم حسين بن الضياء الذي علا ... على كاهل العلياء فخر بني الدهر
فكم قتلوا من أعجمي وسلبوا ... سلاحا وكم شبوا على القوم من جمر
ومتنة مع مند لها حاصروا ولم ... يزالوا عليها نحو شهرين أو شهر
وحازوا بها مرتا كثيرا ومدفعا ... كبيرا أنا بالحامليه من الكبر
وصاروا إلى حصن السلامي حاصروا ... منارهمو بالمشرفية والسمر
وصابحهم تلك الكماة وراوحوا ... فمالوا إلى الإجلاء من نصب الحصر
وفي بيت معد والحيام جميعها ... ولم يبق فيها غير منصورة العر
فحطوا عليها أشهرا لما يجاوزا ... فناها ولا ملوا عناها إلى العشر وأخرجت الأتراك منها وسلموا ... بها مدفعا والمرهفات التي تغري
صفحة ١١
ولم يطلبوا غير الأمان من الردى ... وجاءوا جميعا خاضعين إلى الأسر
وإن شئت أخبار البلاد التي إلى ... الجنوب فخب علم جهران بالجهر
أتى نحوها الأقوام فاقتتلوا بها ... فكان بها صرعى تجل عن القدر[8]
وصالوا عليها ذات يوم فأثخنوا ... ففروا معا في دولة الأنجم الزهر
ومدفعهم باق وآخر دونه ... ولم يشعر الأقوام إلا سنى الفجر
فعاد من الأتراك صنف وأرجعوا ... صغيرا من الاثنين إن كنت لا تدري
وأرسل مولانا الإمام محمد بن ... أحمد الشامي فخر بني العصر
جهات ذمار فانثنى متبصرا ... وحاصرها والجيش من حولها يجري
فلما دنا حتف العداة تسلموا ... على مهل في مدفعين وفي تبر
وسار إليها ابن الإمام وعالم ... فذا حاكم فيها وذا عامل الأمر
وسار الفتى الشامي نحو يريمهم ... ليفتح منها ما تغلق من ثغر
وعز الهدى الكبسي في آنس له ... معارك تحكي عن حنين وعن بدر
ففتح منها مفقلات حصونها ... وذاق العميسي الردى وهو في الأسر
ولم يبق إلا السوق يدعى بجمعه ... وحوصر حتى لاذ من فيه بالقر
سروا في قميص الليل والجيش نوم ... وساروا بلا علم لديهم ولا خبر
وحازوا بها نقلا جمالا وأبغلا ... مع اثنين من غر المدافع والذخر
وفي أول حجة فر فرقة ... بضوران كانوا صابرين على الجمر
وأرجفت الأرجاء من علم غارة ... بدال من الآلاف من لجة البحر
فساروا سراعا والسباع تنوشهم ... وجاءوا إلى صنعاء في أول العشر
ويوم غد قد بادروا بخروجهم ... على من بساحات الجراف من الوفر وجاءوا برمي كالرعود بسبعة ... فلم يتركوا في بيت عرهب من جدر
صفحة ١٢
ثلاثة أيام وفر الأولى بها ... إلى الروضة الغناء مائسة الخصر
فما وصلوا حتى اتى الترك نحوهم ... ولم يتوان فينة عصبة الغدر
وكان بها من أهل صنعاء عصبة ... فطاروا من الخوف المبير إلى السر[9]
وما بقيت حول الرياض محلة ... بغير أناس هاربين من الشر
وأوقدت الأتراك حربا لروضة ... عظيما ولم يكتب على سالف الدهر
وكان بها كم من هزبر غضنفر ... يرى الفر عارا والنجابة في الكر
رموها على مر الدوام بسبعة ... مدافع لم تجدي وعسكرهم تسري
إليها إلى أن جاوز السوق سوقها ... وأنصارنا في جامع الضهر والعصر
وأشعر من حرب الفريقين أمرد ... وشاب من الأهوال محلولك الشعر
وسارت به الركبان في كل بلدة ... وغنت به العشاق بالنظم والنثر
وأنصارنا يأتون من كل موطن ... وعسكرهم جاعوا وضاقوا من الضر
وبالموت فيهم كل يوم فريسة ... وبالقتل أصناف وبالفر والأسر
إلى أن سروا ليلا لصنعا وأغلقوا ... على بابها والحرب فيهم إلى الجدر
وإن شئت أحوالا لحجة فاستمع ... حديثا له كل المسامع تستقري
سرت فيهمو الأنصار في كل معقل ... فما معقل إلا وقد حف بالحصر
فشمسان منه استخرجوا ثم ماذن ... ومن كوكبان بعده قلعتا عمرو
ومن مشهد المهدي والجاهلي تلا ... ومن موضعي عفار فاعلم ومن ظفر
كذا حجة رأس البلاد وكعبة ال ... فساد وكرسي المراد لذي النكر
وكان بها أمر عظيم وفتنة ... ونهب عظيم حازه عصبة النصر
ومن بعده عمران أقبل نحوهم ... إمام الورى في فيلق وافر مجري فلما دنا منهم ونادى لحربهم ... فقالوا له أهلا وسهلا بلا عذر
صفحة ١٣
تسلم ما حازوا بها من مدافع ... وأسلحة مرت وما كان من ضر
ومن بعد ذا أهل الطويلة سلموا ... وما خرجوا إلا برمي على الوكر
فلما رأوا أن المدافع أخربت ... حصونهم قالوا السلامة في الصبر[10]
كذاك حفاش فتحوا مرتجاته ... ولم يبق من سهل لديهم ولا وعر
كذا يمن مثل العتيمة دوخوا ... وقعطبة والجيش في يمن يسري
وصنعا تنادي بالإمام ليأمنوا ... على الناس من نهب وقتل ومن كسر
هذه منظومة فتوحات عام دعوته، وقد صنفت في حوادث أعوام دولته مصنفات لعدة أعلام عصره، وفي بسامة أئمة القرن الرابع عشر المطبوعة بصنعاء سنة 1370ه في نظم خلاصة سيرته وفتوحاته وانتصاراته ومصالحته للأتراك ثم استشهاده ما تراه في سبعين بيتا أولها:
لما قضى نحبه المنصور بايع سا ... دات الورى نجله المقرون بالظفر
طود العلوم وتيار الحلوم ومصب ... اح النجوم سديد الرأي والنظر
س
إمامنا المنتقى يحيى سليل مح ... مد بن يحيى حميد الدين والأثر
ومذ توكل وافته الوفود وقا ... دات الجنود إلى النواش في عذر
في اثنتين وعشرين عقيب ثلا ... ث بعد عشر لإيواء خاتم النذر
فكان تجهيزه يحيى الغضنفر نحو ... الحيمتين فصالت صولة النمر
ثم الحسين بن إسماعيل جهزه ... إلى حضور مع الأنصار من مطر
والحبر أحمد سيف الآل سار إلى ... شمال صنعاء ووادي ضهر في نفر
والشهم عز الهدى الشامي نحو ذما ... ر مع يريم وأرجاها إلى الشعر
وفخرنا نجل إبراهيم جهزه ... في عصبة نحو بعدان إلى صبر والبدر عز الورى الكبسي سار ... إلى عتيمة فحباه الله بالظفر
صفحة ١٤
وليثنا الفخر عبد الله صال على ... أرجاء حجة في الآصال والبكر
وحرب روضة صنعا والجراف بها ... يبيض من هولها محلولك الشعر
وسار يحيى أمير المؤمنين إلى ... حوث وألقى عصا التسيار في خمر
ومنه سار إلى عمران ثم ثلا ... وكوكبان شبام نزهة النظر
وفيه وافته أعيان الحكومة من ... صنعاء للصلح والتسليم في صفر
وما انقضى العام إلا والإمام بصنع ... ا ناعشا شرعة الرحمن في البشر
فجاد فيضي إلى صنعاء في رجب ... بعدة وخميس غير منحصر
وما رعى ذمة بين الإمام وأعي ... ان الحكومة والمخطوط في الزبر
وسار في سلخ شعبان بجحفله ... يبغي شهارة في تيه وفي أشر
وكانت الصدمة الأولى لغيرهمو ... بنهبها حول سوق الدومة الوعر
فتابعوا الزحف والرمي السريع إلى ... شهارة وسروا للسرو في السحر
فاستقبلتهم بباب السرو رتبته ... بالفتح والطعن في اللبات والثغر
وغادروهم من الطعن المبير لدى ... باب الصلال وباب النحر كالجزر
وعد ألف من الأتراك أدركهم ... إلى الهلاك بضرب البيض والسمر
ولاذ من لاذ منهم بالفرار وكم ... منهم تردى بذاك المعقل العسر
وفر فيضي مع بعض الجنود إلى ... سوق الثلوث حليف الذل والخور
وتابع الفر خوف الأسر متجها ... إلى حبور كمثل الطائر الحذر
ولى طريدا وخلى جل عدته ... والمدفع الضخم من آياته الكبر
وكانت الصدمة الأخرى بقتل رضا ... باشا ومن معه بالقرب من خمر
وأرض صعدة دامت حربها سنوا ... ت وانتهت بعد شر طائر الشرر وكان ما كانت الأعيان تنظره ... وفي العيان غنى عن رونق الخبر
صفحة ١٥
إذ دامت الحرب أعواما ثمانية ... والترك ما بين مجروح ومجتزر
والعرب نافرة والبعض ثائرة ... موتورة بين مهزوم ومنتصر
حتى قضى الله طي الاختلاف ... ونشر الائتلاف وريا عرفه العطر
وكان تعيين حكام الشريعة ... والنظار للوقف والتحكيم للسور
فساق في شغل إدريس عسكره ... لرازح وبني بحر مع غمر
ودارت الحرب بين الشعب باليمن ... الميمون ياليت تلك الحرب لم تدر
وشمر الهمة العقسا الإمام إلى ... صنعا بأول عام الفوز بالظفر
1337ه
وكان تعزيم أجناد الأعاجم والتن ... ظيم للجيش من بدو ومن حضر
وضبط آل مريد والحدا ... وحبيش والمخا واللواء والفوم في صبر
ودامت الحرب في حد التهائم إحدى عشرة وثوى ابن ادريس في الحفر
وأخمدت فتنة البيضاء وجارتها ... وذي صريم وذيفان وفي خمر
وبعد أن تم تعيين الولاة بها ... وفي سواها وألوى الصفو بالكدر
جاءت تهامة والأعيان صارخة ... أغث تهامة يا يحيى من البطر
أغث تهامة قد جاءتك طائعة ... عفوا ورفقا وعطفا دمت في ظفر
فكان تجهيز أجناد مظفرة ... لها الفتوحات قد وافت على قدر
وكان من بعدها عقد العهاد مع الطليان والدول الأخرى على الأثر
وفتح مأرب من بعد المغارب بالبيض القواضب والعسالة السمر
وبعد عامين كان الحرب في حرض وباقم فصداها غير مستتر
وكادت الفتنة العظمى تطير إلى ... كل الجزيرة لولا همة الغرر وفد السلام وخدام العروبة والإ ... سلام في كل أمر هائل خطر
صفحة ١٦
سروا سريعا من القدس الشريف وسوريا ومصر بلا ضعف ولا خور
وفد السلام هو السيد محمد أمين الحسيني الفلسطيني، والأستاذ هاشم الأتاسي الحمصي، والأمير الكبير شكيب أرسلان اللبناني، والأستاذ محمد علوية باشا المصري.
ساروا إلى مكة أم القرى وبها ... وفد الإمام فأمضى الأمر في صفر
وعندما اطلع المولى الإمام على المزبور أمضاه بعد الفكر والنظر[13]
يحيى وعبد العزيز ابن السعود تيا ... سروا لصلح وما احتاجوا لمؤتمر
وفي قلوب العدى من صلحهم مرض ... إذ أخمدوا نار حرب جمة الضرر
وخيب الله آمال العداة لديننا ... جميعا وحوش العالم البشري
السبع من بعد ستين عقيب ثلا ... ث تلو عشر لإيوا خاتم النذر
لسابع من ربيع آخر غدرت ... في حزيز عصبة من أخسر البشر
أودت بيحيى أمير المؤمنين ومن ... رعى الملايين من بدو ومن حضر
ضحت بمن جاهد الفجار وانتقم ... الأشرار أعمدة الطاغوت والغير
ضحت برافع أعلام الأمان مع ... الإيمان في اليمن الخضرا بلا نكر
أودت بيحيى إمام المسلمين وسبطه ... الصغير وبالعمري إلى الحفر
ضحت بشيبة آل المصطفى فمضى ... عن واحد وثمانين من العمر
وجدلت ذلك اليوم الحسين بباب ... الدار مع محسن السجاد في السحر
فأسبلت دمعة الدين المبين على الإما ... م يحيى حميد الدين خير سري
أسنى السلام على يحيى ومن قتلوا ... في يومه من بنيه الأنجم الزهر له الهنا ولنا البشرى نؤرخ ... أن يحيى بمقعد صدق عند مقتدر
صفحة ١٧
(أعلام عام دعوته)
في عام دعوة الإمام المتوكل على الله يحيى سنة 1322ه مات بمدينة حوث شيخه القاضي محمد بن أحمد حميد الصنعاني. وفي مدينة شبام عاملها السيد علي بن علي بن محمد بن شرف الدين الكوكباني وفي سماه ببلاد عتمة القاضي عبد النور السماوي وفي مدينة ذمار إمام محراب جامعها الفقيه صالح بن محمد الحوشبي. وفي حجة حاكمها القاضي محمد بن حسن بن حسن الأكوع الصنعاني. وفي خمر حاكم العر القاضي حسن بن حسن بن حسن الأكوع الصنعاني. وفي مدينة يريم الحكيم الماهر عبد الله بن قاسم مداعس الصنعاني.
وجاء في ضبط تواريخ سبعتهم بالألفية الأولى المطبوعة بصنعاء:
ففي مدينة حوث مات نصف ربيع ... آخر العالم المفضال ذو الوجل
محمد بن حميد عن ثمانية ... بعد الثلاثين لبى الدائم الأزلي
أستاذ يحيى أمير المؤمنين ومن ... فاق الأساتذة التالين للأول
وكان نجل حميد عالما ورعا ... مهاجرا راجيا للفوز بالنزل
وفي شبام قضى بالشهر عاملها ... علي بن علي زينة النبل
عن ستة وثلاثين وفاة جمال ... كوكبان سليل الفاتك البطل
وكانت الترك فيما مر قد قتلت ... أباه غدرا ببوعان على دخل
وفي سماه قضى القاضي المهذب ... عبد النور سبط عماد الدين نجل علي
عن أربع بعد خمسين لمولده ... لبى دعا خالق الإنسان من عجل وفي ذمار قضى حلف العبادة في ... محراب جامعها صبحا وفي أصل
صفحة ١٨
العالم الفاضل الأواه صالح نجل ... الحوشبي ضياء الدين والمقل
عن خمسة بعد سبعين لمولده ... لبى ندا ربه المنان بالأمل
ومات في حجة بالعام حاكمها ... محمد الأكوع الثاوي بلا مهل
عن سبعة بعد خمسين لمولده ... مضى إلى خالق الإنسان من عجل
وصنوه حسن بالعام في خمر ... لبى ندا ربه القهار بالأجل
وفي يريم عبيد الله سبط مداعس ... حكيم الورى الخريت في العلل
عن الثلاث عقيب الأربعين ثوى ... ملبيا دعوة المنان بالأمل
حوادث سنة 1323 ثلاث وعشرين
مهاجمة عرضي صنعاء ثم تبديد جموع الغارة التركية الثانية والغارة
اليامية على صنعاء
في ليلة الثلاثاء 22 محرم الحرام من هذا العام أرسل المقدمي السيد العلامة محمد بن محمد ابن قاسم الحوثي الحسيني من محطته بداع الخير وبيت معياد جنوبي صنعاء السيد حسين بن يحيى عشيش في بعض العسكر من بلاد سنحان وبني بهلول لمهاجمة من في العرضي المعروف جنوبي سور صنعاء من الأتراك، فارتقى نحو العشرين من ذلك العسكر على السلاليم إلى العرضي، فبادرهم الأتراك بالرمي المتتابع بالمدافع وغيرها من قلعة قصر صنعاء ونفس العرضي، وكانت بينهم فيه معركة قتل فيها من العسكر الإمامي محمد حمادي الرصاص ورجل من أهل سنحان وجرح نحو عشرة منهم وأخذ بعضهم بعض بنادق الأتراك وخرجوا عن العرضي من حيث دخلوا إليه.
صفحة ١٩
وفي المحرم هذا وصل إلى ميناء الحديدة بتهامة المشير رضا باشا في زيادة على عشرة آلاف مقاتل وانضم إليه نحو ألف مقاتل من قبائل يام وأهل نجران الباطنية، وبعد وصول جموع هذه الغارة العظيمة إلى مدينة مناخة من بلاد حراز على مسافة خمس وعشرين ساعة غربا من مدينة صنعاء، جمعوا المئين من جمال وبقر أهل تهامة وحراز إلى ما معهم من الخيل والبغال والبقر وأنواع المعدات الحربية والطعام والأثقال، ثم أراد رضا باشا توجيه بعض تلك الجموع نحو الإمام أيده الله وهو بحصن كوكبان شبام وبعضها نحو مدينة صنعاء للتفريج عن الأتراك المحصورين بها وعن زعيم الباطنية الداعي عبد الله علي المكرمي المحصور بصنعاء فكانت الحرب أولا بين جموع هذه الغارة وأجناد مولانا الإمام في حدود البلاد الحرازية:
وساق إمامنا شوسا ليوثا ... من السادات قادات الأنام
وسلط من بني قحطان جندا ... على الأعداء من عجم ويام
فكانت غارة الأتراك والبا ... طنية طعمة لشبا الحسام
وسل أرجا حراز مع ابن مهدي ... وبوعانا وسل بيت السلامي
وقرية يازل سلها ففيها ... تبددت النظام بلا انتظام
وفيها حوصرت يام وسيقت ... أسارى نحو مولانا الإمام
فأطلق بعضهم من بعد تسليمهم ... كل البنادق في شبام
وفر بقية الأتراك خوف ال ... هلاك إلى أزال كالنعام
صفحة ٢٠
بعد المعارك الأولى وفي حدود بلاد حراز كانت المعارك العديدة بين أصحاب الإمام وهذه الغارة في حجرة ابن مهدي وقاع مفحق وبيت السلامي والخميس وغيرها من بلاد الحيمة، وفي بوعان وقرية يازل وقاع سهمان وغيرها من ناحية بلاد البستان إلى قاع عصر وما حول أبواب مدينة صنعاء إلى أن كان دخول رضا باشا في بقية من معه من الأتراك صنعاء في نهار الجمعة 25محرم، وقد قتل في هذه المعارك العدد الكثير من الأتراك، واستولى أصحاب الإمام على كثير من الجمال والبقر والأثقال والبنادق الماوزر، وكانت لا تعرف في اليمن قبل هذه الأيام، فكان الغانم للبندق الماوزر من القبائل يتطلب بيعها بأرخص الأثمان ليعتاض عنها البندق المارتين المعروفة باليمن. وأما قبائل يام ونجران الباطنية فبعد القتل الكثير منهم انحاز بقيتهم في بعض البيوت بقرية يازل، ثم كان خروجهم أسارى على حكم الإمام فيهم، وبعد إيصالهم إلى حضرته أمر بأخذ سلاحهم وإطلاق بعضهم.
وفي يوم رابع صفر من العام أراد نحو ألفين من الأتراك النفوذ من مفحق مع حمولة لهم كثيرة نحو صنعاء وكان معهم أربعة من المدافع، ولما أحاط بهم عسكر الإمام دفنوا مدفعا بين التراب وتركوا مدفعا آخر وأرادوا الفرار نحو مناخة، فتبعهم أهل الحيمة وغيرهم فقتلوا منهم الكثير وسلبوهم كل ما معهم من البنادق والذهب والمدفعين الآخرين.
وبالفتكة الكبرى في مفحق وما ... تقدمها نادت إمام الورى صنعا
وفود الأتراك إلى الإمام لتأمينهم وتسليم صنعاء
صفحة ٢١