وما عداه وسائط ليس لها في حد ذاتها إضرار ولا إنفاع، وأن الرسول
- صلوات الله عليه – هو العطوف الحقيقي، الساعي في إصلاح شأنه
وإعلاء مكانه، وذلك يقتضي أن يتوجه بشراره نحوه، ويحب ما يحبه،
لكونه وسطا بينه وبينه، وأن يتيقن أن جملة ما وعد به وأوعد حق لا يحوم
الريب حوله يقينا يخيل إليه الموعود كالواقع، والاشتغال بما يؤول إلى الشيء
ملابسة به، فيحب مجالس الذكر رياض الجنة، وأكل مال اليتيم أكل النار،
والعود إلى الكفر إلقاء في النار، فيكرهه كما يكره أن يلقى في النار.
فإن قلت: لم ثنى الضمير ها هنا، ورد على الخطيب قوله:"ومن عصاهما
فقد غوى " في حديث عدي بن حاتم، وأمره بالإفراد؟!
قلت: ثنى الضمير ها هنا إيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين،
لا كل واحدة، فإنها وحدها ضائعة لاغية، وأمر بالإفراد في حديث عدي
إشعارا بأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية، فإن قوله:"ومن
عصى الله ورسوله "- من حيث إن العطف في تقدير التكرير، والأصل فيه استقلال كل من المعطوف عليه في الحكم – في قوة قولنا: ومن عصى الله
فقد غوى، ومن عصى الرسول فقد غوى ولا كذلك قول الخطيب:
" ومن عصاهما فقد غوى ".
1 / 42