اختياره، وإن كان على خلاف الهوى.
ألا ترى أن المريض يعاف الدواء وينفر عنه بطبعه، ويميل إليه باختياره
ويهوى تناوله بمقتضى عقله، لما علم أو ظن أن صلاحه فيه؟!
فالمرء لا يؤمن إلا إذا تيقن أن الرسول ﷺ لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه
صلاح عاجلي، أو خلاص آجلي، وأنه آخذ بحجزه يكفه عن النار من غير
غرض وتوقع عوض.
وقد علم أن الوالد كان غرضه في ابتداء أمره قضاء وطره، وغاية
صمته في كفالته أيام صغره أن يكون ردءا له في كبره، وخلفا له بعد
عمره، وولده إن بر به، فبره أداء لما عليه من سوابق الأيادي والنعم.
وإذا علم ذلك علم قطعا أن الرسول ﷺ أعطف الناس عليه وأنفعهم له،
بل الشفيق الحقيقي هو لا غير، وحينئذ يقضي العقل بترجيح جانبه ولزوم
طاعته، فثبت أن المرء لا يؤمن ولا يعتد بإيمانه حتى يقتضي عقله ترجيح
جانب الرسول ﷺ على ما سواه من المخلوقات، وهذا أول درجات الإيمان
وكفايتها، وكمالها: أن تتمرن نفسه ويرتاض طبعه، بحيث يصير هواه تبعا
لعقله، مذعنا لأمر [هـ]،مساعدا على تحصيل فضائله، فيطاوع الرسول ﷺ
ويرجح جانبه بعقله وطبعه، ويصير الرسول ﷺ أحب إليه عقلا وطبعا،
والإيمان به والإذعان لحكمه ملائما لنفسه موافقا لطبعه، ويلتذ به التذاذا
عقليا، إذ اللذة إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك، [لا]
من حيث إنه
1 / 40