وقوله صلى الله عليه وسلم من تعلم العلم فى شبابه كان بمنزلة النقش فى الحجر ومن تعلمه وهو كبير كان بمنزلة الكتابة على وجه الماء، فالشباب مثله مثل الإقبال على العلم لأن الشاب مقبل فى قوته وضبطه واستكماله، والكبر هاهنا هو ضد الشباب ومثله مثل الإعراض عنه وهذا يرجع إلى المعنى الأول إذ كثير ممن يطلب العلم ويسمعه من الشباب فى الظاهر قد لا يقبلون عليه ولا يحفظونه ولا ينتفعون به ويقبل عليه الكبير فيقبله وينتفع به وهذا فى المتعارف والموجود فبين بذلك أن المراد تأويله فى الإقبال على العلم والإدبار عنه لا ظاهر ذلك من الشبيبة والكبر الظاهرين.
وقوله صلى الله عليه وسلم: نعم وزير الإيمان العلم ونعم وزير العلم الحلم ونعم وزير الحلم الرفق ونعم وزير الرفق اللين، فقد ذكرنا أن الإيمان مثله مثل الباطن والعلم يقع على الظاهر والباطن فإذا وازر العلم الإيمان فى الظاهر فكان المؤمن عالما كان أكمل له والموازرة هى المعاونة والمعاضدة على الأمر وكذلك قوله ونعم وزير العلم الحلم والحلم ضد السفه والمتلف لماله يدعى سفيها ومن ذلك قول الله:@QUR04 «ولا تؤتوا السفهاء أموالكم» فإذا كان المؤمن العالم لا يضع علمه إلا فى موضعه كان فى الظاهر بمنزلة من لا يضع ماله إلا فى حقه وإذا بذله لغير مستحقه كان سفيها بمنزلة من يبذر ماله ومن ذلك قوله تعالى:@QUR03 «ولا تمنن تستكثر» تأويله ألا يمن بما من الله به عليه من العلم والحكمة على من يريد الاستكثار به ممن لا يستحق ذلك ومنه قول بعضهم لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم وقوله ونعم وزير الحلم الرفق وذلك أن الرفق القصد فى المعيشة ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أراد الله بأهل بيت خيرا إلا أدخل عليهم الرفق فى معيشتهم» فأراد أن وضع العلم عند أهله أيضا يجب أن يوضع باقتصاد لا سرف فيه ولا تقتير، ومنه قول الله:@QUR011 «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما» ، وقوله نعم وزير الرفق اللين واللين ضد الشدة يعنى أن يكون العالم الواضع علمه عند أهله فى موضعه باقتصاد ورفق ينبغى له أن يلين لهم جانبه ولا يكون فظا غليظا عليهم، ومن ذلك قول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فى عشيرته المؤمنين:@QUR014 «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك» .
ومن ذلك ما جاء فى الدعائم عن أبى عبد الله جعفر بن محمد صلى الله عليه
صفحہ 68