واما القوة المتخيلة والمفكرة والذاكرة والحافظة فانها وان لم تكن الية فلها مواضع خاصة بالدماغ فيها يظهر فعلها اما القوة المتخيلة ففي البطن المقدم من الدماغ وهذه القوة هي التي تحفظ صنم الشي بعد غيبوبته عن الحس واما القوة المفكرة فظهورها يكون في البطن الاوسط من الدماغ وبهذه القوة نزوي في المجهول حتى نستنبطه ولذلك لا توجد هذه القوة الا للانسان واما القوة الذاكرة والحافظة فموضعها موخر الدماغ ولا فرق بين الذاكرة والحافظة الا ان الذكر هو حفظ منقطع والفرق بين الذاكرة والحافظة وبين المتخيلة ان المتخيلة تحضر صنم الشي المحسوس بعد غيبية المحسوسات ولذلك لم تكن حسا والقوة الحافظة انما تحفظ معنى ذلك الصنم وكذلك الذاكرة انما تتذكر ذلك المعنى الذي للصنم ومن هنا يظهر انها اكثر روحانية من المتخيلة وينبغي الا يذهب علينا ان هذه القوى وان كان احدها يتم به فعلها هي هذه البطون من الدماغ انه انما وجودها بالحقيقة في القلب وان هذه المواضع انما هي لها بمنزلة الالات فكما ان القوة الباصرة انما تكون بالرطوبة الجليدية مع انها في القلب كذلك هذه القوى ومنفعة هذه المواضع في هذه القوى هي التعديل على ما قلناه في منفعة الدماغ في ساير الادراكات والسبيل التي بها يتبين هذا هي السبيل التي تقدمت وذلك ان هذه القوى انما تفعل بالحرارة الغريزية والحرارة الغريزية المقدرة انما تصل اليها من القلب فالقوة المقدرة ضرورة في القلب فهذه القوى اذا محلها القلب وايضا فان القوة المتخيلة كما قيل انما فعلها في الاثار الباقية من المحسوسات في الحس على ما تبين في كتاب النفس والحس المشترك قد تبين قبل ان محله القلب فالمتخيلة ضرورة محلها القلب وايضا فان المتخيلة هي المحركة للحيوان بتوسط النزوعية والنزوعية في القلب فالمتخيلة اذا في القلب وحيث المتخيلة فهناك ضرورة المفكرة فان الفكر انما هو تركيب الخيالات وفعلها وكذلك حيث تكون المتخيلة فثم الذاكرة والحافظة وليس يجب من كون اعتلال هذه القوى باعتلال هذه البطون من الدماغ ان يقال ان هذه القوى في الدماغ فقط كما انه ليس يلزم عن اعتلال البصر باعتلال الرطوبة الجليدية ان يقال ان قوة الابصار الرئيسية انما هي في الجليدية وقد تعتل هذه القوى باعتلال الحجاب وليس احد يظن انها في الحجاب ولما كانت هذه التجاويف من الدماغ انما وضعت اولا من اجل هذه القوى هيئت في امزجتها للفعل الموافق لهذه القوة فالروح الغريزي انما يكون اولا في البطنين المقدمين ومنه يسير الى البطنين الموخرين في المسلك الذي بينهما وللاحتياط والتقدير جعل في تلك المسافة اجسام تنفتح في وقت الحاجة لدخول الحار الغريزي منها ثم تنسد على ما ذكر في كتاب التشريح ولكون الدماغ جسما لينا رطبا وقي بعظم القحف وبالاغشية المحيطة به كم وقي القلب باضلاع الصدر وجعل هذا العظم مستديرا اذ كان هذا الشكل هو احكم الاشكال وذلك انه يحتوي على اكثر مما يحتوي عليه ساير الاشكال المساوية له وايضا فانه ابعد شي عن الافات وجعل الدماغ في ارفع موضع في الحيوان الكامل لمكان الحواس فان الحواس كما يقول جالينوس طلايع البدن ومن شان الطلايع ان يكون في المواضع المشرفة فقد قلنا في منافع عضو عضو من اعضاء بدن الانسان بحسب ما راينا انه كاف في غرضنا وقد بقي علينا ان نبين من الافعال الصحية النوم ما هو وباي عضو يكون فانه من الامور الضرورية في وجود الحيوان الذي شانه ان ينام والانسان هو احدها ولذلك كان اختلال هذا الفعل مما يهلك الحيوان وعند تمام القول في هذه القوة نختم هذه المقالة ونشرع /في القول في الامراض واسبابها واعراضها. فنقول اما ان النوم هو سكون الحواس وانصرافها عن الاتها الى داخل البدن فذلك من الامور الظاهرة بانفسها ولذلك تمر بها في تلك الحال المحسوسات فلا تحسها وايضا فقد يظهر ذلك ظهورا ابين فيمن ينام مفتوح العين فانه لو كانت هناك القوة المبصرة لما مر به شي الا راه وليس هذا العارض يعرض لنا في وقت النوم فقط بل قد يعرض عندما يفكر الانسان في شي ما ولذلك كثيرا ما تمر بنا في تلك الحال محسوسات كثيرة لا نحسها واذا كان جنس النوم انما هو انصراف الحواس الى باطن البدن وكانت الحواس انما يمكن فيها الحركة بحركة الجسم الذي هو الهيولي الخاصة بها وكان هذا الجسم قدتبين من امره انه الحار الغريزي فالنوم اذا ضرورة يكون بانصراف الحار الغريزي الى قعر البدن وقد يشهد لهذا ان ظاهر البدن يبرد عند النوم وايضا فان فعل الهضم يكون اتم عند النوم وذلك ان الحرارة الغريزية التي كانت تستعملها الطباع في ظاهر الجسم في الحس والحركة تنصرف حينئذ داخل الجسم الى انضاج الغذا والفعل فيه ولما كان ابعاث الحرارة الغريزية على ما قيل قبل الى ظاهر الجسم انما يكون من القلب فرجوعها ضرورة في وقت النوم انما هو الى القلب وذلك ان الموضع الذي منه تبتدي الحركة اليه تنتهي كالحال في رئيس الجيش فانه الذي اليه تنتهي الاخبار ومنه تبتدي واذ قد تبين من امر النوم انه سكون الحواس وتعطل فعلها لانصراف الحار الغريزي المحمولة فيه الى القلب فلننظر ما سبب هذا الانصراف فان هذا هو الذي يجري من تصور ما هو النوم مجرى الفصل الاخير فنقول ان انتشار الحار الغريزي انما يكون ضرورة يتزيد في كميته والتزيد في الكمية انما تفعله تزيد الحرارة فيه واما انقباضه فهو نقص في الكمية وذلك يكون ضرورة لغلبة البرودة والرطوبة عليه واذا كان هذا كما وصفنا فالنوم انما يعرض لنا عند برد الحار الغريزي الذي في القلب ورطوبته فاذا برد ورطب عاد الى ينبوعه ونقصت كميته ولما كانت منفعة الدماغ انما هو في ان يعدل حرارة القلب ويبسه وجب ضرورة ان يكون القلب انما يلقى اكثر ذلك هذا الفعل من الدماغ وذلك اذا افرط مزاجه في البرد ولكون هذا الفعل انما يكون ذلك عند وقت ورود الغذا عليه وايضا فمع هذا ان القلب اذا ورده الغذا ترطب وبرد ولكون هذا الفعل انما يوجد للقلب اكثر ذلك بتوسط الدماغ وكان من قل نومه نطلنا منه الدماغ بالاشياء المرطبة ظن كثير من الناس ان النوم انما هو فعل خاص بالدماغ وليس الامر كذلك ومن الدليل على ان النوم انما يكون بالبرودة والرطوبة ان الاغذية المنومة هي باردة رطبة كالخس وغير ذلك مما شانه ان ينوم والاشيا المسهدة هي الحارة اليابسة وانما صار الحيوان يصيبه النوم كثيرا اثر التعب لان الحيوان اذا تحرك واجهد نفسه في ذلك تبددت الحرارة الغريزية ونقصت كميتها فعادت ضرورة لمكان الاحتياط والتوفر الى مبديها كما يعتريها ذلك عند ورود الاشيا المفسدة عليها والمضادة ان تتراجع الى مبديها فان الجند متى دهمهم امر فانما يقرعون الى الرئيس ولذلك كان هذا العضو اخر عضو يبرد عند الموت وهذا الفعل هو من فعل الطبيعة المدبرة لابد ان الحيوان ولهذا كان النوم من ضرورة وجود الحيوان الكامل فانه لولا النوم لفسدت حواسه بكثرة الاستعمال واذا فسدت الحواس فسد الحيوان ولذلك تصفر وجوه الذين لا ينامون وتعتل افعالهم وبخاصة الغاذية وايضا فان استعمال الحواس مما يبرد الحرارة الغريزية بانتشارها واذا بردت عادت الى عمق البدن ونقصت كميتها وينبغي ان تعلم ان هذا الفعل وان كان انما يكون بمزاج ما في الحرارة الغريزية وهو/مزاج الرطوبة والبرودة فالفاعل بالحقيقة لذلك هي القوة المدبرة التي في القلب والحرارة التي بهذه الصفة هي التها ولذلك قد ينشا ها هنا موضع فحص وهو لاي قوة من قوى النفس ينسب هذا الفعل ويشبه ان يكون ذلك القوة الحسية اذ كانت هي التي تتوفر بهذا الفعل وتكمل افعالها وليس هو للغاذية بما هي غاذية فان النبات ليس له نوم اذ كان ليس له حس وهذه القوة هي من قوى الحس للحس المشترك وانما نسبنا هذا الفعل للقوة لانها احد ما يحفظ وجودها به وهذا هو القول في جميع الافعال الصحية بما هي صحية وبين من منافع هذه ما هو ضروري في وجود الحيوان وما ليس بضروري اما اعضاء القوة الغاذية وافعالها فضرورية في وجود الحيوان ما عدا المولدة وكذلك حاسة اللمس ولذلك كان تعطل هذه القوة موتا ضرورة وكذلك التنفس فعل ضروري ومن هنا يظهر ان الاشيا التي تجري من بدن الانسان مجرى الحافظة هو الهواء والماء والغذاء وانما تكون هذه الاشياء حافظة اذا كانت على المجرى الطبيعي ولما كان الهواء انما يكون على صورته الطبيعية بحفظ الشمس والاجرام السماوية له كانت الاسباب القصوى التي تجري من بدن الحيوان مجرى الحافظة له هي الاجرام السماوية وهذا الفعل انما يتم في الهواء بفعل الشمس فيه الفصول الاربع التي هي الربيع والصيف والخريف والشتا وذلك بسيرها في فلكها المايل ولذلك قد يجب على الطبيب ان يعرف ها هنا طبايع هذه الفصول اذ كانت هي احد ما به تتقوم الصحة فنقول اما الربيع فانه الزمان الذي تكون افعال القوة الغاذية فيه اتم فعلا وذلك انما يكون بانما به الحرارة الغريزية في ابدان الحيوان ولما كانت الحرارة الغريزية حارة رطبة قلنا في هذا الفصل ان مزاجه الحرارة والرطوبة فان النظر في مزاجه ها هنا انما هو بالمقايسة الى بدن الانسان والشبان اتم ما يوجدون افعالا في هذا الفصل ولذلك ان شيت فقل فيه انه الفصل المعتدل وذلك بمقايسته الى فعل الانسان واما الصيف فيظهر من امره ان الحر واليبس عليه لغلب وكذلك يظهر من امر الشتا ان البرودة والرطوبة عليه غالبة وهذا كله بالاضافة الى زمن الربيع واما مزاج الخريف فمن حيث انه متوسط بين الصيف والشتا قد كان يظن انه يلزم فيه ان يكون باعتدال الربيع ولكن الامر في ذلك بالعكس بل هو في غاية المضادة لزمن الربيع فانه الزمن الذي تهرم فيه القوى وتتشتت وذلك ظاهر من فعله ذلك في نبات وفي الحيوان ولذلك قيل ان البرد واليبس غالبان عليه الذي هو ضد الحرارة والرطوبة واما مزاجه في نفسه فانه وان كان غير مفرط في الحرارة فان اليبس غالب عليه وهو بالجملة متشتت الاجزاء ونسبة الشمس فيه الينا في القرب والبعد فانها وان كانت بعينها هي نسبتها في الربيع فبين النسبتين فرق عظيم لمكان الاستعداد وذلك ان في زمن الخريف قد تناهت فيه القوى وقد استولى اليبس على جميع الموجودات فيكون الاعتدال الموجود في الحرارة في ذلك الوقت لا غنا له في النشي واما الاعتدال الموجود في زمن الربيع فهو وارد على هيولي ملايمة للنشي وهي الرطوبة وهذه الفصول ليس لها حد معلوم في القصر والطول بل تختلف في البلاد وذلك بحسب عرضها واعدل البلاد هي البلاد التي يقصر فيها زمان الخريف ويطول فيها زمان الربيع وتلك هي البلاد التي في الاقليم الخامس وبخاصة ما كان منها قريبا من البحر والخريف في بلادنا هذه وهي بلاد الاندلس هو نحو من شهرين وهي في اول الاقليم الخامس وليس تحت معدل النهار زمان معتدل كما يزعم ذلك كثير من الناس وقد تبين ذلك فيما كتبناه في غير هذا الموضع ولا ايضا تفضيل من يفضل الاقليم الرابع على الخامس شي وجالينوس يرى ان اعدل المواضع هي بلاد يونان ومن هذا بلدة ابقراط ويقول ان هذه البلدة يكاد ان /يكون زمانها كلها ربيعا فقد تبين من هذا القول ما صحة عضو عضو من اعضاء الانسان بجميع اسبابه الاربعة التي هي المادة والصورة والحافظة والغاية وذلك ما قصدنا له من اول الامر كتاب المرض
صفحہ 104