1- باعتبار المصدرية فلا شك أن القرآن الكريم والسنة في منزلة واحدة إذ الكل وحي من الله، قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى*إن هو إلا وحي يوحى) (¬1). "وقد ذهب بعض أهل العلم(¬2) إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسن سنة إلا بوحي احتجاجا بهذه الآية. وقيل بل جعل الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بما افترض من طاعته أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب، والدليل على ذلك قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) (¬3).. فخصه الله بأن يحكم برأيه لأنه معصوم وأن معه التوفيق. وقيل ألقي في روعه صلى الله عليه وسلم كل ما سنه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الروح الأمين قد ألقي في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، فأجملوا في الطلب"(¬4). وقيل لم يسن صلى الله عليه وسلم سنه قط إلا ولها أصل في الكتاب، فجميع سنته بيان للكتاب، فما سنه صلى الله عليه وسلم من البيوع فهو بيان لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)(¬5) وقوله: (وأحل الله البيع وحرم الربا) (¬6). قال الشافعي بعد ذكر هذه الأقوال أو بعضها:" وأي هذا كان فقد بين الله أنه فرض فيه طاعة رسوله..". (¬7) 2- باعتبار الحجية ووجوب الإتباع فالقرآن والسنة في ذلك سواء. وقد بوب لذلك الخطيب البغدادي فقال: " باب ما جاء في التسوية بين حكم كتاب الله تعالى، وحكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب العمل ولزوم التكليف"(¬1). وذكر تحت ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " إلا أني أوتيت القرآن ومثله معه"(¬2). وقوله: " وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله"(¬3).
3- باعتبار أن القرآن الكريم دل على وجوب العمل بالسنة وأن السنة إنما ثبتت حجيتها بالقرآن الكريم. فالقرآن الكريم بهذا الاعتبار أصل للسنة، والأصل مقدم على الفرع.
4- باعتبار البيان فإن السنة مبنية لما أجمل في القرآن، وهي مخصصة لعمومه، مقيدة لمطلقه، والبيان والخاص والمقيد مقدم على المجمل والعام والمطلق، إذ العمل بهذه الثلاثة متوقف على ذلك. فصح بهذا النظر تقديم السنة على الكتاب(¬4)، إلا أن الإمام أحمد كره أن يقال: السنة تقضي على الكتاب، وقال: "ما أجسر على هذا أن أقوله: إن السنة قاضية على الكتاب ! إن السنة تفسر الكتاب وتبينه"(¬5). والمقصود أن الكتاب والسنة متلازمان لا يفترقان، متفقان لا يختلفان؛ كما قال بعض السلف: " إنما هو الكتاب والسنة، والكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب"(¬6).
المبحث الرابع : جهود العلماء لمقاومة حركة الوضع(¬7)
إليك بعض الخطوات التي ساروها في سبيل النقد حتى أنقذوا السنة مما دبر لها من كيد، ونظفوها مما علق بها من أوحال.
صفحہ 13