اشتد غضبُ الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ١؛ وفي السنن أيضا أنه قال: "لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا عليَّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني" ٢.
وفي الصحيح أنه قال في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ٣ يحذر ما فعلوا. قالت عائشة ﵂: ولولا ذلك؛ لأبرِزَ قبرُهُ، لكن خُشِيَ أن يتخذ مسجدا، وفي سنن أبي داود عنه أنه قال: "لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج" ٤.
ولهذا قال العلماء: لا يجوز بناء المساجد على القبور، وقالوا: إنه لا يجوز أن يُنْذَر لقبر، ولا للمجاورين عند القبر شيئا، لا من دراهم ولا زيت، ولا شمع ولا حيوان، ولا غير ذلك كله نذر معصية، ولم يقل أحد من أئمة المسلمين: إن الصلاة عند القبور، وفي المشاهد مستحبةٌ، ولا أن الدعاء هناك أفضل، بل اتفقوا كلهم على أن الصلاة في المساجد، وفي البيوت أفضل من الصلاة عند قبر، لا قبر نبي ولا صالح؛ سواء سُمِّيَتْ مشاهد أم لا.
وقد شرع الله ذلك في المساجد دون المشاهد، وقال: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾ ٥، ولم يقل في المشاهد، وقال تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ ٦، وقال: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ ٧ الآية.
وذكر البخاري في صحيحه والطبري وغيره في تفاسيرهم في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ ٨، قالوا: هذه أسماء قوم صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم طال عليهم الأمد فاتخذوا تماثيلهم أصناما.
فالعكوف على القبور، والتمسح بها، وتقبيلها، والدعاء عندها هو أصل الشرك، وعبادة الأوثان، ولهذا اتفق العلماء على أنَّ من زار قبر النبي ﷺ أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين؛ فإنه لا يَتَمَسَّح به ولا يقبِّله. وليس في الدين ما شُرِعَ تقبيلُهُ إلا الحجر الأسود
_________
١ مالك: النداء للصلاة (٤١٦) .
٢ أبو داود: المناسك (٢٠٤٢)، وأحمد (٢/٣٦٧) .
٣ البخاري: المغازي (٤٤٤١)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٣١)، والنسائي: المساجد (٧٠٣)، وأحمد (١/٢١٨،٦/٣٤،٦/٨٠،٦/١٢١،٦/١٤٦،٦/٢٥٥)، والدارمي: الصلاة (١٤٠٣) .
٤ الترمذي: الصلاة (٣٢٠)، والنسائي: الجنائز (٢٠٤٣)، وأبو داود: الجنائز (٣٢٣٦)، وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (١٥٧٥)، وأحمد (١/٢٢٩،١/٢٨٧،١/٣٢٤،١/٣٣٧) .
٥ سورة البقرة آية: ١١٤.
٦ سورة الأعراف آية: ٢٩.
٧ سورة التوبة آية: ١٨.
1 / 273