وقد ثبت في الصحيحين أن عمر بن الخطاب ﵁ قال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك. ولهذا لا يُسَنُّ أن يقبل الرجل ويستلم ركني البيت اللذين يليان الحجر، ولا جدران البيت، ولا مقام إبراهيم، ولا صخرة بيت المقدس، ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين. اهـ.
كراهة السلف لتعظيم القبور والاستغاثة بالموتى
وقال –رحمه الله تعالى- في الرد على البكري، بعد كلام له سبق-: لكن من هو الذي جعل الاستغاثة بالمخلوق ودعاءه سببا في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله؟ ومن الذي قال: إنك إذا استغثت بميت أو غائب من البشر، نبيا كان أو غير نبي، كان ذلك سببا في حصول الرزق والنصر والهدى وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله؟ ومن الذي شرع ذلك وأمر به؟ ومن الذي فعل ذلك من الأنبياء والصحابة والتابعين لهم بإحسان؟ فإن هذا المقام يحتاج إلى مقدمتين:
(إحداهما): أن هذه أسباب لحصول المطالب التي لا يقدر عليها إلا الله.
(والثانية): أن هذه الأسباب مشروعة لا يحرم فعلها، فإنه ليس كل ما كان سببا كونيا يجوز تعاطيه ... إلى أن قال: وهذا المقام مما يظهر به ضلال هؤلاء المشركين خلقا وأمرا، فإنهم مطالبون بالأدلة الشرعية على أن الله شرع لخلقه أن يسألوا ميتا أو غائبا وأن يستغيثوا به، سواء كان ذلك عند قبره، أو لم يكن عند قبره، بل نقول: سؤال الميت والغائب، نبيا كان أو غير نبي، من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين، لم يأمر الله به، ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة، ولا التابعين لهم بإحسان، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين.
وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين، فإن أحدا منهم ما كان يقول -إذا نزلت به شدة، أو عرضت له حاجة لميت-: يا سيدي فلان أنا في حسبك، أو اقض حاجتي، كما يقوله بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من الموتى والغائبين. ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبي
1 / 274