وممكن وجعل الممكن مستلزما للواجب لكنه قال: الواجب لا يكون إلا
_________
=وقد أوضح الله ورسوله المسائل والدلائل والحقائق اليقينية والبراهين القطعية فمن تمسك بهما واهتدى بهما سعد في الدنيا والآخرة ومن أعرض عنهما ضل عن الهدى وشقي ونال الصفقة الخاسرة.
وأعظم الناس انحرافا عنهما ملاحدة الفلاسفة وزنادقة الدهريين وهم أكبر أعداء الرسل في كل زمان ومكان وهم شرار الخلق الدعاة إلى الضلال والشقاء، فإنهم تصدوا لمحاربة الأديان كلها وزين لهم الشيطان علومهم التي فرحوا بها واحتقروا لأجلها ما جاءت به الرسل ﴿َلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ (غافر:٨٣) وقد أصلوا لباطلهم أصولا يقلد فيها بعضهم بعضا وهي في غاية الفساد، يكفي اللبيب مجرد قصورها عن إقامة البراهين على نقضها لكونها مناقضة للعقل والنقل ولاكن زخرفوها وروجوها فانخدع بها أكثر الخلق، أعظمها عندهم أصل خبيث منقول عن معلمهم الأول أرسطو اليوناني المعروف بالإلحاد والجحد لرب العالمين والكفر به وبكتبه ورسله.
وهذا الأصل الذي تفرع عنه ضلالهم أنه من أراد الشروع في المعارف الإلهية فاليمسح من قلبه جميع العلوم والاعتقادات وليسع في إزالتها من قلبه بحسب مقدوره وليشك في الأشياء ثم ليكتفي بعقله وخياله ورأيه، وكملوا هذا الأصل الخبيث بحصرهم للمعلومات بالمحسوسات وما سوى ما أدركوه بحواسهم نفوه.
وهذا أصل أفسد عليهم علومهم وعقولهم وأديانهم، وقد بين الناس على اختلاف نحلهم بطلان أصولهم وأن أهلها خالفوا جميع الرسل وجميع العقلاء.
قال الشيخ السعدي ﵀: إن العلوم المدركة بالحس إذا نسبت إلى علوم الرسل –كالعلوم المتعلقة بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وأحوال الآخرة والجزاء على الخير والشر وأمور الغيب بما كان وما يكون وما يسعد النفوس وما يشقيها- كانت كقطرة في بحر لجي، فأمور الغيب التي تتوقف على أخبار الرسل ووحي الله وهدايته العامة والخاصة أبطلها هؤلاء الملاحدة إذ ضيقوا دائرة المعلومات جدا في مدركات حواسهم، فلهذا حاروا واضطربوا ولم يستقر لهم قرار على أقوال تتفق عليها آرائهم لأنهم أنكروا العلم الحقيقي النافع الذي يربي النفوس ويسعدها ويرقيها في مدارج الكمال، ومن المنكر والزور تخصيصهم علومهم القاصرة بسم العلم فحيث أطلقوا العلم أرادوا به علوم الفلسفة وما نتج عنها ونفوا العلم عما سواها وهذا من باب المكابرات وقلب الحقائق وإلا فالعلم الحقيقي الذي أثنى الله عليه في كتابه علوم الرسل وهداية الوحي المنزل من عند العليم الخبير، وما سواها فإما علوم ضارة وإما قليلة النفع وإما نافعة في أمور الدنيا دون أمور الدين. أنظر كتاب المذكور ص ٣-٤-١٧-١٨.
1 / 47