واحدا فلا يكون له صفة ثبوته فسلبه صفات الكمال ونعوت الجلال ونعته هو ومن وافقه بالسلوب التي تقتضي أنه واجب العدم وهؤلاء أصابهم في لفظ واجب الوجود ما أصاب القدرية في القديم (١) والحادث والفلاسفة الذين يسندون الحوادث إلى الفلك يقولون بواجب الوجود، لكنه عندهم علم كل حال واحد في الأزل إلى الأبد يمتنع أن يصدر عنه حادث.
_________
(١) والذي أصاب القدرية في القديم والحادث أن القدرية أنكرة علمه القديم وأثبتة علمه الحادث وقالوا: إن الله تعالى لا يعلم أفعال العباد حتى يفعلوا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا وقالو أيضا: إنه يعلم الكليات دون الجزئيات، والقدر الذي هو التقدير المطابق للعلم يتضمن أصولا عظيمة.
أحدها: أنه عالم بالأمور المقدرة كليها وجزئيها قبل كونها فيثبت علمه القديم.
الثاني: أن التقدير يتضمن مقادير المخلوقات ومقاديرها هي صفاتها المعينة المختصة بها فإن الله تعالى قد جعل لكل شيء قدرا قال تعالى:
﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ الفرقان َقْدِيرًا﴾ سورة الفرقان: من الآية ٢. فالخلق يتضمن التقدير تقدير الشيء في نفسه بأن يجعل له قدرا وتقديره قبل وجوده فإذا كان قد كتب لكل مخلوق قدره الذي يخصه في كميته وكيفيته كان ذلك أبلغ في العلم بالأمور الجزئية المعينة خلافا للقدرية الذين يقولون: إنه تعالى يعلم الكليات دون الجزئيات ويعلم الحادث دون القديم، فالقدر يتضمن العلم القديم والحادث وعلم الجزئيات والكليات قال تعالى: ﴿إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ومَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ القمر٤٩-٥٠.وقال أيضا: ﴿ما أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ (الحديد:٢٢) وقال: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ (الحج:٧٠) وهذه الآيات الكريمة من أدل الدليل على بطلان مذهب القدرية نفاة العلم القديم السابق قبحهم الله وقوله تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ الحج: من الآية٧٠) أي أن علمه تعالى الأشياء قبل كونها سهل عليه ﷿ لأنه يعلم ما كان وما يكون، وقوله تعالى: ﴿لِكَيْلا تَأْسَوْا﴾ (الحديد: من الآية٢٣) الآية أي أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها وتقديرنا الكائنات قبل وجودها لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطأكم وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم ولا تحزنوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم أي لا تفخروا بما أنعم الله به عليكم على الناس فإن ذلك ليس بسعيكم ولا بكدكم وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم فلا تتخذوا نعم الله أشرا ولا بطرا تفخرون بها على العباد ولهذا قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ (النساء: من الآية٣٦) قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن أنكروا كفروا، فالله تعالى يعلم أن هذا مستطيع يفعل ما استطاعه فيثيبه وهذا مستطيع لا يفعل ما استطاعه فيعذبه فإنما يعذبه لأنه لم يفعل مع القدرة وقد علم الله ذلك منه ومن لا يستطيع لا يأمره ولا يعذبه على ما لم يستطعه. اهـ شرح الطحاوية ص ٢١٦ببعض التصرف.
1 / 48