(رمى أهل التوحيد بالاعتزال جهلا منه): قال: وقد زعم أن من آمن بإخلاص الدعاء لله وآمن بأنه علام الغيوب وأنكر أن يكون لأحد من الأموات تصرف في ملك الله يصير معتزليا (وقال): وكأن الرجل لا يعرف الاعتزال بالمعنى الاصطلاحي.
فإن أصل الاعتزال هو القول بالمنزلة بين المنزلتين ثم انضاف إلى هذا القول ما كانت عليه المعتزلة من تعطيل الصفات وجحدها والقول في القدر والجبر ونحو ذلك مما هو معروف عنهم (١)
_________
(١) كالأصول الخمسة التي أصلوها مناقضين بها أصول الدين الخمسة التي اتفق عليها الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وبنوا مذهبهم على الأصول الخمسة التي سموها العدل والتوحيد وإنفاذ الوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولبسوا فيها الحق بالباطل، إذ شأن البدع هذا، اشتمالها على حق وباطل وهم مشبهة الأفعال، لأنهم قاسوا أفعال الله تعالى على أفعال عباده، وجعلوا ما يحسن من العباد يحسن منه وما يقبح من العباد يقبح منه، وقالوا يجب عليه أن يفعل كذا ولا يجوز له أن يفعل كذا بمقتضى ذلك القياس الفاسد فإن السيد من آدم لو رأى عبيده تزني بإمائه ولا يمنعهم ذلك لعد إما مستحسنا للقبيح، وإما عاجزا، فكيف يصح قياس أفعاله ﷾ على أفعال عباده؟.
والكلام على هذا المعنى مبسوط في موضعه.
أما العدل، فستروا تحته نفي القدر، وقالوا إن الله لا يخلق الشر ولا يقضي به إذ لو خلقه ثم يعذبهم عليه يكون ذلك جورا والله تعالى عادل لا يجور ويلزم على هذا الأصل الفاسد أن الله تعالى يكون في ملكه ما لا يريده فيريد الشيء ولا يكون ملازمه وصفه بالعجز تعالى الله عن ذلك.
وأما التوحيد فستروا تحته القول بخلق القرآن، إذ لو كان غير مخلوق لزم تعدد القدماء، ويلزمهم على هذا القول الفاسد أن علمه وقدرته وسائر صفاته مخلوقة أو التناقض وأما الوعيد فقالوا: إذا أوعد بعض عبيده وعيدا فلا يجوز ألا يعذبهم ويخلف وعيده لأنه لا يخلف الميعاد، فلا يعفوا عمن يشاء ولا يغفر لمن يريد، عندهم.
وأما المنزلة بين المنزلتين فعندهم أن من ارتكب كبيرة يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر.=
1 / 43